الهدف إركاع روسيا
افتتاحية الأزمنة
الأربعاء، ١٦ مارس ٢٠٢٢
تمارسه اليوم أوروبا، وكأن بها لا حول ولا قوة خوفاً ورعباً من الدب الروسي، حالها يشابه حال أيام هتلر قبل الحرب العالمية الثانية، ونشهدها ترتمي بقوة في حاضنة الأمريكي، هذا المشهد ذكّرني كيف حمل هتلر لواء الاستعمارية الألمانية الفاشية، وأخذ النازي بيده أعنة الحكم، ما أفرح في حينها «تشامبرلين» رئيس وزراء بريطانيا و«دلادييه» رئيس وزراء فرنسا وأنصارهما ومن لف لفهم، لأنهم رأوا في الهتلرية حاجزاً منيعاً دون البلشفية، وقد طرقت مسامعهم صيحات النازيين لانتزاع أوكرانيا من الاتحاد السوفييتي، وقصرت أبصارهم عن رؤية الحرب النازية المقبلة على بلادهم، فهللوا لهتلر ومجدوه كما يهللون الآن لبايدين ويبايعونه، ومن ذلك ما كتبه لويد جورج في جريدة التايمز اللندنية الصادرة في 22 أيلول 1933م، إذ يقول: إذا أفلحت الدول في محق النازية في ألمانيا، فما الذي سيكون بعده؟ إنه لن تكون ثمة حكومة محافظة أو اشتراكية أو حكومة أحرار، بل حكومة شيوعية متطرفة، وبالتأكيد إنه لا يمكن أن يكون هذا الغرض الذي ترمي إليه هذه الدول، ولا ريب تغيّرت المواقف في أوروبا تغيراً تاماً، وكذلك تغيّر الموقف في الشرق الأقصى نتيجة ذلك، فاليابانيون الذين كانوا في حرب التدخل آخر من جلا عن الأراضي السوفييتية، عثروا في ألمانيا على الحليف الذي ينشدونه، ليكرهوا الاتحاد السوفييتي في القتال على جبهتين، فتتابعت حوادث الحدود بين الفصائل اليابانية والسوفييتية، وبدأت فترة الاعتداء، وأصبح من العبث أن تتمسك الحكومة السوفييتية بسياسة فترة ولت وانقضت، واستبدلتها بسياسة مواثيق عدم الاعتداء الفردية، سياسة مقاومة جماعية تنتظم فيها الدول المهدّدة، لأن السلم لا يتجزأ، ونادى مكتب الأممية الشيوعية إلى «الجبهة الشعبية لمكافحة الفاشية وصون السلام» وانتظم الاتحاد السوفييتي في سلك عصبة الأمم في أيلول 1934، وأصبح مركز الثقل في عالم السياسة.
لقد كانت سياسة إنكلترا، وسياسة فرنسا تبعاً لها، قائمتين على التسليم للمعتدين، تسليم تشيكوسلوفاكيا لألمانيا، تسليم فلسطين للصهيونية، تسليم الإسكندرونة السورية لتركيا، وتسليم مقاليد بلادهم لقيادة العالم الجديد أمريكا زعيمة الرأسمالية، وما يسمى الديمقراطية، واعتمادهما عليها أكثر من اعتمادهما على قواهم الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، ليأتي بعد ذلك مؤتمر ميونيخ.
عقدت ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا مؤتمراً رباعياً في ميونيخ، مغفلين دعوة الاتحاد السوفييتي إليه، ليحبطوا بذلك سياسية التعاون بينه وبين الدول الغربية، وقد داست بريطانيا وفرنسا على عهدهما لتشيكوسلوفاكيا، ورفضتا أن تحاربا من أجلها، متآزرين مع الاتحاد السوفييتي وقدمتاها عربون صداقة لألمانيا الهتلرية، التي كانت بجبالها البوهيمية وتحصيناتها النوعية وتسليحها سياجاً منيعاً يحول بين ألمانيا والتقدم نحو الشرق الروسي السوفييتي، وتسلم الجيش الألماني خط التحصينات العظيم المشيّد على صورة خط «ماجينو» في فرنسا، نظرية الدفاع العسكرية، واطلعوا من خلاله على كل أسرار خط «ماجينو»، فكان يوم 29 أيلول 1938 في التاريخ ذكرى مخجلة لأفظع خيانة للشعب الفرنسي ارتكبتها حكومة جمهورية نحوه ونحو السلام.
لقد تردت فرنسا في حضيض الخزي والاستكانة، إذ أظهر وزير خارجيتها «بونه» استعداد فرنسا للتخلي لألمانيا عن نفوذها في شرق أوروبا، أما بريطانيا فقد كانت لا تزال في غفوتها سعيدة بحكمها، وإن «هتلر» لا يريد أكثر من أن يعيد سائر أبناء «شعب السادة» إلى أحضان بلاده، يسيطر عليها اعتقادها المريح بأن «السلم يسود وقتنا هذا» وهكذا وجد الاتحاد السوفييتي نفسه خريف 1938 بلا حلفاء، وكان الخطر محدقاً به، حركت ميونيخ شهية ألمانيا النازية، إلى أن تزدرد دولاً جديدة واحدة بعد الأخرى، على أن يسوى الأمر في ميونيخ ثانية وثالثة، فأخذت ترفع الصوت عالياً مطالبة بما كان لها من مستعمرات، وطفقت تتحدث عن أوكرانيا، وتبذل نشاطاً بين الأوكرانيين الذين هاجروا إلى برلين من أجل ضمها إليها، كما يفعل حلف الناتو اليوم وإرادته إركاع روسيا ليتفرغ بشكل نهائي للصين.
ما أشبه اليوم بالأمس، يكفي أن ندقق في الماضي لنرى ما يجري اليوم، ونعلم المبتغى، أمريكا تريد إخضاع العالم برمته لمشيئتها، وأنها القطب الأوحد والقوة العظمى الوحيدة، ومن ينافسها ينتظره التدمير الاقتصادي والسياسي وحتى العسكري، إن نجاح روسيا اليوم يعيدنا إلى نجاح الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، وانتزاعه للقطبية الثانية، وهذا ما يجب أن تكون عليه روسيا، وتؤول إليه في حربها الكونية مع الناتو، وإلا فالمشروع الغربي سيمضي إلى الصين وإلى تحقيق مبتغاه.
د.نبيل طعمة