براءات لأزمات الغلاء .. ضعف المداخيل وأعمال سوداء يمارسها السوريون!!
الأزمنة
الاثنين، ١١ يناير ٢٠١٦
الأزمنة – مجد سليم عبيسي
في جميع أنحاء العالم يعد العمل بدوام إضافي مغاير لدوام العمل الأصلي جشعاً لتحقيق ثروة أو للرقي بالوضع الاجتماعي نتيجة السأم من الوضع السابق!! لكن فقط في سورية.. فعلى الرغم من الزيادات المتكررة والقرارات المتلاحقة التي عنيت برواتب الموظفين، إلا أن متوسط المرتبات رغم ذلك لم يرق إلى مستوى سد رمق المعيشة مع وصول الليرة إلى ثمن أو تسع قيمتها الفعلية!! وفي ظل عدم سيطرة رقابية حكومية على انفلات السوق السعري. وعدم وصول أدنى مرتب شهري إلى 80 ألف ليرة سورية كما أشارت جمعية حماية المستهلك في وقت سابق.. وعدم التفات المسؤولين إلى المواطن أولاً، كان على المواطن السوري أن يجد الحلول الناجعة لاستمراره على قيد الحياة.. وكان بعضها بكسر الأنف!.
قصة بداية كسر الأنف:
كان جرجس كغيره من الشباب المتزوج حديثاً يندب حظه وقلة دخله وعدم قدرته على مواءمة الغلاء حتى نهاية الشهر، وقف في منتصف الغرفة متذمراً من كثرة الطلبات والأقساط المستوجب دفعها آخر الشهر، ومن صاحب البقالة الذي ينتظر نصيبه من الراتب الذي لا يأتي إلاّ وقد صُرف بأكمله، ومصاريف الدراسة الجامعية لزوجته الشابة، فضلاً عن الالتزامات الاجتماعية التي قد تكلف الكثير أحياناً، فما كان من «هدى» إلاّ أن قالت لزوجها: «لو تسمع كلامي وتبحث لك عن عمل إضافي كان حالنا أفضل».
لم تكن مشكلة زكريا أنه عريس جديد ويحب أن يقضي ما أمكن من وقته في البيت، فالقضية باتت أكبر منذ نصّب الدولار نفسه –بمعية التجار مجتمعين- وصياً على كافة سلع السوق. بل المشكلة كانت مع شهادته الجامعية التي يبروظها على الحائط والتي كانت تحدد خياراته بالبحث عن مركز اجتماعي معين ووظيفة إضافية محددة بمرتب شهري.
لكن ظروف الأزمة ومقتضيات المرحلة وطلبات هدى والزواج والفحش السعري قادته مجتمعة إلى استدانة مبلغ 10 آلاف ليرة سورية وشراء عربة حديدية ليبدأ رحلة تحسين الدخل.
الحلول دائماً ذاتية:
صار يعمل بعد عودته من دوامه الأصلي على عربة في سوق لبيع الجملة في نقل البضائع ثلاث أو أربع ساعات فقط في اليوم، ما سمح له بدخل إضافي تجاوز مرتبه الأصلي بمقدار الضعف حل له جميع مشكلاته.
الطريقة التي عمل عليها زكريا لحل مشكلة الغلاء المتزايد والاكتفاء المعيشي الأسري جاءت بطريقة فردية بحتة لم تعتمد على قرار حكومي برفع الراتب ليوازي متطلبات الأزمة، أو رقابة وزارية على الكيفية في التسعير أو حتى تعاطف مفقود من قبل التاجر.. الأمر تطلب قليلاً من التنازلات، ولكن العمل مهما كان ليس عيباً.. وكان العمل مجزياً مقابل معادلة:
تحسن وضعك بدخل إضافي، أم ترضى بالواقع وتبقى بحالة تذمر دائمة؟!.
حلول أخرى:
تعددت الأعمال الإضافية واختلفت حسب الفرص المتوافرة للشباب. وكانت المهن الجسدية هي الأساس سواء كان الشاب جامعياً أم من أصحاب المهن "كسائق الأجرة، أو أجير في مطعم، عامل على بسطة، عامل في كشك، صانع في ورشة صيانة..." واللائحة تطول.
قد تكون مهنة جرجس الإضافية تصنف ضمن الأعمال الحرة لأن ربحها بالكامل له وليس له مرتب يتقاضاه..
ولكن من له شريك أيضاً قد تكون مهنته مجزية أيضاً..
عادل شاب في الخامسة والعشرين من عمره، له مرتب ثابت من وظيفة صباحاً ويعمل بعد الظهيرة على سيارة تكسي.. يقول عادل:
العمل على سيارة الأجرة مجزٍ أكثر من مرتبي الشهري، إذ إني أستأجر هذه السيارة في اليوم بألفي ليرة من صاحبها مدة ست ساعات بعد الظهيرة وأعمل عليها.. وبعد اقتطاع تكلفة البنزين والإصلاح يكون متوسط الربح الصافي اليومي نحو ألفي ليرة سورية وهو مبلغ أكثر من جيد أعين به والدي على مصروف أسرتنا.
أعمال سوداء يمارسها السوريون:
عدا أعمال بعد الظهيرة التقليدية، هناك أعمال غير تقليدية وأرباحها أكبر من ذلك يمتهنها الكثيرون كالتخليص الجمركي والذي هو مسمى فقط لعمليات واسعة تتم بالرشوة والتحايل على النظام والقانون..
مهنة أخرى اعتمدها الأشقياء وهي بيع المسروقات أو تجميل المشتريات المسروقة والتي تأتي إليها من دون رأس مال وثمن بيعها هو ربح صاف عدا تكاليف التجميل.
عدا المهن التي يمارسها الموظفون الحكوميون في قطاعات الكهرباء والاتصالات والمياه والصرف الصحي، والتي لا تخرج عن سياق عملهم الأساس ضمن الدوام.. ولكن..
يقول أبو عدنان: قطع خط الهاتف عدة مرات، وفي كل مرة كنت أتصل بالطوارئ فيأتي الموظف فوراً ويصلحه وأعطيه إكرامية 200 ليرة "بناء على طلبه" حتى اكتشفت في أحد الأيام أنه كان هو من يقطع الخط ليلاً لأتصل به نهاراً!!
السيد أحمد روى حادثة حدثت في منطقة مساكن برزة حين انفجر أنبوب مياه شرب.. يقول:
بقيت المياه تسوح في الشارع لأربعة أيام رغم أن أهل الحارة تقدموا بطلب نظامي لمؤسسة المياه.. وبعد أربعة أيام راجعناهم ليقولوا إن الصيانة لن تصلحه قبل شهر ونصف الشهر!!
ولدى الهمس معهم تحت الطاولة أخبرونا أنهم سيصلحونها الليلة بعد دوامهم الرسمي..
طبعاً جاء اثنان فقط وأصلحوها بأقل من نصف ساعة ولدى سؤالنا عن التكلفة قالوا نريد خمسين ألف ليرة سورية!!!
ولم ننته من الموضوع وبعد تبويس الشوارب قبلوا بـ 24 ألف ليرة فقط.. والحمد لله..
وهذا ينطبق على القطاعات المذكورة جميعها والتي فيها قصص فساد أكثر مما تتسعه صفحاتنا.
كنا أفضل الدول العربية.. بثقافة الإنتاج والاستهلاك:
بات العمل الإضافي اليوم حاجة ملحة في سورية لم تكن ضرورة في السنوات القليلة قبل اندلاع الأزمة.. والسبب الرئيس أن سورية كانت من الدول المنتجة والمصدرة أكثر من كونها مستهلكة فقط.. ما حدا بوجود منافسة عنيفة بين الصناعات المحلية بالجودة والأسعار.. بينما الدول الأخرى التي تخدعنا برفاهيتها "كالسعودية" مثلاً فهي دولة مستهلكة بالمطلق، وهذا ما استغله التجار السعوديون برفع الأسعار واستمرار الغلاء، ما جعل الكثيرين من المواطنين السعوديين يبحثون عن أعمال إضافية ومن دون وجود أزمة أو حروب في بلادهم!!
يقول المواطن السعودي «عبد الرحيم الحارثي» : يحرص بعض المواطنين السعوديين على رفد مواردهم وتدعيمها بمصادر دخل إضافية نتيجة الارتفاع غير المنطقي والمتواصل في الأسعار عبر العمل في وظائف بدوام جزئي.
وأضاف: مشكلتنا أننا متكاسلون ومتراخون في التفكير بالمستقبل، هذا غير محدودية التخطيط وكذلك الخوف من الفشل، لذلك قلما نجد من حسّن وضعه المعيشي من خلال البحث عن وظيفة مسائية أو فتح مشروع تجاري.
مشيراً إلى أن هناك مشكلة قانونية تتمثل في عمل الموظفين الحكوميين الذين يعملون أعمالاً أخرى خارج ساعات دوامهم الرسمي..
ويمكن أن ننوه أن هذه المشكلة القانونية أيضاً موجودة في القانون المصري الذي يحاسب الموظف الحكومي على أي عمل إضافي يقوم به خارج ساعات دوامه الرسمي، مع العلم أن مرتب المواطن المصري لا يكفيه مصروفاته الشهرية وهذا منذ عقود طويلة..
كما أن وضع الموظف في العراق الشقيق ليس بأفضل حالاً من بقية البلدان إذ إن مرتبات الموظفين التي كانت تكفي قبل سنوات باتت اليوم لا تسد رمق عيش المواطن بعد القرارات البرلمانية التي شملت مرتبات الموظفين بضرائب كبيرة تصل قرابة 40% من قيمة الراتب!!
ضعف المرتبات الحكومية.. وغياب القطاع الخاص:
يمكن القول إن ثقافة الإنتاج هي التي كانت سائدة في المجتمع السوري دوناً عن باقي الدول العربية بوجود المعامل الضخمة والصناعات النوعية والورشات والخبرات السورية الاحترافية، ولكن مع خروج العديد من معامل القطاع الخاص وهجرة الخبرات الفاعلة، كان لزاماً على الدولة السورية أن تسد الخلل الحاصل في فرص العمل الضائعة على موظفي القطاع الخاص، إذ تضمنت موازنة العام 2015 إضافة 95 ألف موظف جديد، بينما تضمنت موازنة العام 2016 زيادة بحدود 65 ألف موظف، وإذا كانت الزيادة الوسطية بمعدل 75 ألف وظيفة في كل من الأعوام الأربعة الماضية، فهذا يعني أن إجمالي العدد سيكون حوالى 300 ألف وظيفة. وأشارت تقارير الإعلام المحلي إلى أن الحكومة قد استخدمت بعقود مؤقتة حوالي 400 ألف موظف خلال أربعة أعوام.. ما يعني زيادة كبيرة في الكتلة النقدية المسددة من الدولة شهرياً.
وفي ظل نقص الموارد المالية للدولة كان لا بد من التقنين بالكتلة النقدية المصروفة لموظفي الدولة شهرياً مع المساواة بين الجميع بما يؤمن الحد الأدنى من تأمين الخدمات والقدرة على الاستمرار في الحياة إلى حين ميسرة.
ولكن هل هذا يبرر عدم استخدام الحكومة أذرعها الرقابية والتنفيذية في ضبط الأسعار وإلزام التجار بتخفيض هوامش أرباحهم كي لا تمثل الغلاءات أوراق ضغط إضافية على خزينة الدولة بإلحاح الموظفين على زيادة المرتبات بشكل دوري كل عدة أشهر لتتناسب مع معدل التضخم الداخل إلى المجتمع المالي السوري!.
دعم المنتج الوطني؟!
ومع علمنا بأن الإنتاجية السورية باتت ضعيفة بشكل كبير بعد خروج معظم الصناعات إلى الخارج ونهب معامل صناعات أخرى، يخرج من ينادي اليوم بلزوم دعم الصناعة الوطنية!! وكأن المنتج الوطني عاد إلى المنافسة والسلع الوطنية تتراكم في الأسواق؟!
يمكن للمواطن أن يلاحظ وجود نسبة كبيرة من المنتجات الإماراتية والصينية والأردنية والمصرية وحتى التركية في مقابل نسبة ضئيلة وغير ذات جودة من الصناعة السورية؟! مع غلاء بعض المنتجات الوطنية مقارنة مع أفضل منها في الجودة بصناعة غير سورية.
فالأمر يا جماعة يحتاج إلى تدبر قبل المناداة به.. ودمتم.
في جميع أنحاء العالم يعد العمل بدوام إضافي مغاير لدوام العمل الأصلي جشعاً لتحقيق ثروة أو للرقي بالوضع الاجتماعي نتيجة السأم من الوضع السابق!! لكن فقط في سورية.. فعلى الرغم من الزيادات المتكررة والقرارات المتلاحقة التي عنيت برواتب الموظفين، إلا أن متوسط المرتبات رغم ذلك لم يرق إلى مستوى سد رمق المعيشة مع وصول الليرة إلى ثمن أو تسع قيمتها الفعلية!! وفي ظل عدم سيطرة رقابية حكومية على انفلات السوق السعري. وعدم وصول أدنى مرتب شهري إلى 80 ألف ليرة سورية كما أشارت جمعية حماية المستهلك في وقت سابق.. وعدم التفات المسؤولين إلى المواطن أولاً، كان على المواطن السوري أن يجد الحلول الناجعة لاستمراره على قيد الحياة.. وكان بعضها بكسر الأنف!.
قصة بداية كسر الأنف:
كان جرجس كغيره من الشباب المتزوج حديثاً يندب حظه وقلة دخله وعدم قدرته على مواءمة الغلاء حتى نهاية الشهر، وقف في منتصف الغرفة متذمراً من كثرة الطلبات والأقساط المستوجب دفعها آخر الشهر، ومن صاحب البقالة الذي ينتظر نصيبه من الراتب الذي لا يأتي إلاّ وقد صُرف بأكمله، ومصاريف الدراسة الجامعية لزوجته الشابة، فضلاً عن الالتزامات الاجتماعية التي قد تكلف الكثير أحياناً، فما كان من «هدى» إلاّ أن قالت لزوجها: «لو تسمع كلامي وتبحث لك عن عمل إضافي كان حالنا أفضل».
لم تكن مشكلة زكريا أنه عريس جديد ويحب أن يقضي ما أمكن من وقته في البيت، فالقضية باتت أكبر منذ نصّب الدولار نفسه –بمعية التجار مجتمعين- وصياً على كافة سلع السوق. بل المشكلة كانت مع شهادته الجامعية التي يبروظها على الحائط والتي كانت تحدد خياراته بالبحث عن مركز اجتماعي معين ووظيفة إضافية محددة بمرتب شهري.
لكن ظروف الأزمة ومقتضيات المرحلة وطلبات هدى والزواج والفحش السعري قادته مجتمعة إلى استدانة مبلغ 10 آلاف ليرة سورية وشراء عربة حديدية ليبدأ رحلة تحسين الدخل.
الحلول دائماً ذاتية:
صار يعمل بعد عودته من دوامه الأصلي على عربة في سوق لبيع الجملة في نقل البضائع ثلاث أو أربع ساعات فقط في اليوم، ما سمح له بدخل إضافي تجاوز مرتبه الأصلي بمقدار الضعف حل له جميع مشكلاته.
الطريقة التي عمل عليها زكريا لحل مشكلة الغلاء المتزايد والاكتفاء المعيشي الأسري جاءت بطريقة فردية بحتة لم تعتمد على قرار حكومي برفع الراتب ليوازي متطلبات الأزمة، أو رقابة وزارية على الكيفية في التسعير أو حتى تعاطف مفقود من قبل التاجر.. الأمر تطلب قليلاً من التنازلات، ولكن العمل مهما كان ليس عيباً.. وكان العمل مجزياً مقابل معادلة:
تحسن وضعك بدخل إضافي، أم ترضى بالواقع وتبقى بحالة تذمر دائمة؟!.
حلول أخرى:
تعددت الأعمال الإضافية واختلفت حسب الفرص المتوافرة للشباب. وكانت المهن الجسدية هي الأساس سواء كان الشاب جامعياً أم من أصحاب المهن "كسائق الأجرة، أو أجير في مطعم، عامل على بسطة، عامل في كشك، صانع في ورشة صيانة..." واللائحة تطول.
قد تكون مهنة جرجس الإضافية تصنف ضمن الأعمال الحرة لأن ربحها بالكامل له وليس له مرتب يتقاضاه..
ولكن من له شريك أيضاً قد تكون مهنته مجزية أيضاً..
عادل شاب في الخامسة والعشرين من عمره، له مرتب ثابت من وظيفة صباحاً ويعمل بعد الظهيرة على سيارة تكسي.. يقول عادل:
العمل على سيارة الأجرة مجزٍ أكثر من مرتبي الشهري، إذ إني أستأجر هذه السيارة في اليوم بألفي ليرة من صاحبها مدة ست ساعات بعد الظهيرة وأعمل عليها.. وبعد اقتطاع تكلفة البنزين والإصلاح يكون متوسط الربح الصافي اليومي نحو ألفي ليرة سورية وهو مبلغ أكثر من جيد أعين به والدي على مصروف أسرتنا.
أعمال سوداء يمارسها السوريون:
عدا أعمال بعد الظهيرة التقليدية، هناك أعمال غير تقليدية وأرباحها أكبر من ذلك يمتهنها الكثيرون كالتخليص الجمركي والذي هو مسمى فقط لعمليات واسعة تتم بالرشوة والتحايل على النظام والقانون..
مهنة أخرى اعتمدها الأشقياء وهي بيع المسروقات أو تجميل المشتريات المسروقة والتي تأتي إليها من دون رأس مال وثمن بيعها هو ربح صاف عدا تكاليف التجميل.
عدا المهن التي يمارسها الموظفون الحكوميون في قطاعات الكهرباء والاتصالات والمياه والصرف الصحي، والتي لا تخرج عن سياق عملهم الأساس ضمن الدوام.. ولكن..
يقول أبو عدنان: قطع خط الهاتف عدة مرات، وفي كل مرة كنت أتصل بالطوارئ فيأتي الموظف فوراً ويصلحه وأعطيه إكرامية 200 ليرة "بناء على طلبه" حتى اكتشفت في أحد الأيام أنه كان هو من يقطع الخط ليلاً لأتصل به نهاراً!!
السيد أحمد روى حادثة حدثت في منطقة مساكن برزة حين انفجر أنبوب مياه شرب.. يقول:
بقيت المياه تسوح في الشارع لأربعة أيام رغم أن أهل الحارة تقدموا بطلب نظامي لمؤسسة المياه.. وبعد أربعة أيام راجعناهم ليقولوا إن الصيانة لن تصلحه قبل شهر ونصف الشهر!!
ولدى الهمس معهم تحت الطاولة أخبرونا أنهم سيصلحونها الليلة بعد دوامهم الرسمي..
طبعاً جاء اثنان فقط وأصلحوها بأقل من نصف ساعة ولدى سؤالنا عن التكلفة قالوا نريد خمسين ألف ليرة سورية!!!
ولم ننته من الموضوع وبعد تبويس الشوارب قبلوا بـ 24 ألف ليرة فقط.. والحمد لله..
وهذا ينطبق على القطاعات المذكورة جميعها والتي فيها قصص فساد أكثر مما تتسعه صفحاتنا.
كنا أفضل الدول العربية.. بثقافة الإنتاج والاستهلاك:
بات العمل الإضافي اليوم حاجة ملحة في سورية لم تكن ضرورة في السنوات القليلة قبل اندلاع الأزمة.. والسبب الرئيس أن سورية كانت من الدول المنتجة والمصدرة أكثر من كونها مستهلكة فقط.. ما حدا بوجود منافسة عنيفة بين الصناعات المحلية بالجودة والأسعار.. بينما الدول الأخرى التي تخدعنا برفاهيتها "كالسعودية" مثلاً فهي دولة مستهلكة بالمطلق، وهذا ما استغله التجار السعوديون برفع الأسعار واستمرار الغلاء، ما جعل الكثيرين من المواطنين السعوديين يبحثون عن أعمال إضافية ومن دون وجود أزمة أو حروب في بلادهم!!
يقول المواطن السعودي «عبد الرحيم الحارثي» : يحرص بعض المواطنين السعوديين على رفد مواردهم وتدعيمها بمصادر دخل إضافية نتيجة الارتفاع غير المنطقي والمتواصل في الأسعار عبر العمل في وظائف بدوام جزئي.
وأضاف: مشكلتنا أننا متكاسلون ومتراخون في التفكير بالمستقبل، هذا غير محدودية التخطيط وكذلك الخوف من الفشل، لذلك قلما نجد من حسّن وضعه المعيشي من خلال البحث عن وظيفة مسائية أو فتح مشروع تجاري.
مشيراً إلى أن هناك مشكلة قانونية تتمثل في عمل الموظفين الحكوميين الذين يعملون أعمالاً أخرى خارج ساعات دوامهم الرسمي..
ويمكن أن ننوه أن هذه المشكلة القانونية أيضاً موجودة في القانون المصري الذي يحاسب الموظف الحكومي على أي عمل إضافي يقوم به خارج ساعات دوامه الرسمي، مع العلم أن مرتب المواطن المصري لا يكفيه مصروفاته الشهرية وهذا منذ عقود طويلة..
كما أن وضع الموظف في العراق الشقيق ليس بأفضل حالاً من بقية البلدان إذ إن مرتبات الموظفين التي كانت تكفي قبل سنوات باتت اليوم لا تسد رمق عيش المواطن بعد القرارات البرلمانية التي شملت مرتبات الموظفين بضرائب كبيرة تصل قرابة 40% من قيمة الراتب!!
ضعف المرتبات الحكومية.. وغياب القطاع الخاص:
يمكن القول إن ثقافة الإنتاج هي التي كانت سائدة في المجتمع السوري دوناً عن باقي الدول العربية بوجود المعامل الضخمة والصناعات النوعية والورشات والخبرات السورية الاحترافية، ولكن مع خروج العديد من معامل القطاع الخاص وهجرة الخبرات الفاعلة، كان لزاماً على الدولة السورية أن تسد الخلل الحاصل في فرص العمل الضائعة على موظفي القطاع الخاص، إذ تضمنت موازنة العام 2015 إضافة 95 ألف موظف جديد، بينما تضمنت موازنة العام 2016 زيادة بحدود 65 ألف موظف، وإذا كانت الزيادة الوسطية بمعدل 75 ألف وظيفة في كل من الأعوام الأربعة الماضية، فهذا يعني أن إجمالي العدد سيكون حوالى 300 ألف وظيفة. وأشارت تقارير الإعلام المحلي إلى أن الحكومة قد استخدمت بعقود مؤقتة حوالي 400 ألف موظف خلال أربعة أعوام.. ما يعني زيادة كبيرة في الكتلة النقدية المسددة من الدولة شهرياً.
وفي ظل نقص الموارد المالية للدولة كان لا بد من التقنين بالكتلة النقدية المصروفة لموظفي الدولة شهرياً مع المساواة بين الجميع بما يؤمن الحد الأدنى من تأمين الخدمات والقدرة على الاستمرار في الحياة إلى حين ميسرة.
ولكن هل هذا يبرر عدم استخدام الحكومة أذرعها الرقابية والتنفيذية في ضبط الأسعار وإلزام التجار بتخفيض هوامش أرباحهم كي لا تمثل الغلاءات أوراق ضغط إضافية على خزينة الدولة بإلحاح الموظفين على زيادة المرتبات بشكل دوري كل عدة أشهر لتتناسب مع معدل التضخم الداخل إلى المجتمع المالي السوري!.
دعم المنتج الوطني؟!
ومع علمنا بأن الإنتاجية السورية باتت ضعيفة بشكل كبير بعد خروج معظم الصناعات إلى الخارج ونهب معامل صناعات أخرى، يخرج من ينادي اليوم بلزوم دعم الصناعة الوطنية!! وكأن المنتج الوطني عاد إلى المنافسة والسلع الوطنية تتراكم في الأسواق؟!
يمكن للمواطن أن يلاحظ وجود نسبة كبيرة من المنتجات الإماراتية والصينية والأردنية والمصرية وحتى التركية في مقابل نسبة ضئيلة وغير ذات جودة من الصناعة السورية؟! مع غلاء بعض المنتجات الوطنية مقارنة مع أفضل منها في الجودة بصناعة غير سورية.
فالأمر يا جماعة يحتاج إلى تدبر قبل المناداة به.. ودمتم.