بضائع جديدة تدخل عالم السرقة!! ومسروقات تدخل عالم البضائع!!
الأزمنة
الاثنين، ١ أغسطس ٢٠١٦
الأزمنة- مجد سليم عبيسي
كنت قلقاً حينما صعدت جانب أبي وسام "صديقي وسائق سرفيس جرمانا - دويلعة" الذي كان –على غير عادته- يثور ويزبد ويلقي بقذائف غضبه على الركاب إن سولت نفس أحدهم بطلب النزول!!
أمسكت يده بقوة استحلافاً بأن يهدأ.. لأفهم أن قهره كان لأنه اشترى منشفة جديدة بدل تلك التي سرقها أحدهم اليوم من على رقبته في زحام جامد!!
أخبرني أن سرقة المناشف باتت تشكل قضية رأي عام لدى السائقين الذين ابتكروا "مكيفات المناشف" للمناورة بها رطبة تجاوزاً للفحات الحر التي لا ترحمهم في ساعات عمل الظهيرة.. سرقة المناشف باتت اليوم الموضة الجديدة لدى سارقي السائقين بعد أن باتت سرقة الجوالات من التابلوهات و"هبش" قبضات من الغلة "أولد فاشن" أو بمعنى آخر "دقة قديمة" لزم الإضافة عليها وابتداع ما يغير من احتياطات السائقين ويضع أولويات جديدة في حسبانهم خلال يوم عملهم الطويل.
السرقة مع دناءة النفس!
دناءة نفس.. دناءة نفس.. عبارة كان يرددها أبو ثائر وهو يسير حافياً متأملاً أرجل كل من يمر به؛ دونما حتى أن ينتبه لوجودي حينما بادرته بالسلام، كان قد رفع عينيه لأول مرة منذ نحو عشر دقائق ليرد عليّ السلام بكلمتين: "دناءة نفس".
- عفواً ؟!!
- ليس لك
- ما بالك؟!
- شحاطة متهالكة على أبواب التقاعد أروح وأجيء بها للمسجد.. سرقوها!! دناءة نفس.
- وما حاجتهم لشحاطة قديمة؟!
- كحاجتي بها.
- بسيطة، لمَ لم تشتر أخرى فور خروجك؛ من المحل المجاور؟!
- البلاستيك بـ 500 ليرة يا رجل.. حرام.. الدنيا آخر شهر! ابن الــ.. حاسبها صح.
خيراً تفعل..
رجل كهل ملهوف جاء منصور 24 عاماً راجياً إياه بأن يجري "تعليمة" من هاتفه لأنه يظن بأن جواله نسيه في سيارة الأجرة، وفي أقل من دقيقة أعاد الكهل الجوال لمنصور شاكراً إياه جزيل الشكر.. ومضى.
فتح منصور جواله.. ليجد رسالة: "تم التحويل بنجاح.. والرصيد المتبقي صفر".
وسرقة الرصيد أهون جداً من سرقة قطع الجوالات الأصلية وتركيب قطع "كوبي" أو صينية سيئة الصنع، لدى وضع الجهاز لدى فني صيانة يدعي النزاهة والقبول بأجر زهيد!!
مسروقات روجت لها الأزمة:
"عدا مسروقات دناءة النفس" ليست دائماً المسروقات تكون لاستخدامات شخصية؛ فهي اليوم مادة غنية لسوق كبيرة انتعشت أيما انتعاش خلال سني الأزمة. فما كان يعرف بسوق الحرامية قديماً في شارع الثورة، أصبح اليوم سوقاً جافاً مقارنة بأسواق "الحرامية" التي باتت تفتتح في مناطق عدة دونما أي محاسب لهم أو رقيب.
المسروقات المعروضة للبيع واضحة علناً للمراقب من عرضها في مكان عام ومن سعرها المنخفض عن سعر السوق بشكل كبير وانعدام وجود أي فاتورة مرفقة! ورغم عدم ملاحقة بائعي المسروقات من قبل أحد، إلا أنهم من باب الاحتياط بات كثيرون منهم يتجنبون عرض مسروقاتهم في مناطق عامة، بل وجدوا السوق الإلكترونية معرضاً وسيعاً عديم الضرائب وآمناً من أي ملاحقة، وأيضاً لإزالة الشبهة وزيادة في جشعهم أصبحت أسعار المسروقات أقل من أسعار الجديد بقليل، لإيهام المشتري أنها بضاعة مشتراة أصولاً من البائع الذي يدعي بأنه صاحب ملكية وله الحق في بيع غرضه الثمين بسعر مجز!
بيع المسروقات باتت مهنة لها مختصوها!!
المسروقات أو "الأدوات المستعملة" كما يحلو للبعض أن يسميها أصبح لها محال، وأصبحت تجارة مهمة في أحداث الأزمة السورية، وتتحكم بها ظروف تبين لنا أنّها غير منحصرة برقم صغير.
يمكن للمراقب في الأحياء الحيوية في دمشق كسوق شارع الثورة مثلاً أن يرى في كلّ يوم بضائع تفد إلى السوق تحملها سيارات الشحن من أماكن مجهولة، ويتقاضى سائقوها أجرتهم ويرحلون، وفي كلّ يوم أشكال وألوان جديدة متشابهة وغير متشابهة، فأحياناً "كنبايات"، وأحياناً غسالات أو طاولات أو كهربائيات، وحتى ملابس بموديلات، وأحياناً كلها مع بعضها ويتم فرزها على الرصيف فيما بعد!
سؤال للناس: هل تشتري منها؟!
خالد 24 عاماً؛ طالب جامعي: لا أشتري.. مطلقاً ، فمصدر هذه البضائع مجهول، ولا أريد حتى السؤال من أين تأتي؟
أبو عماد ستيني، متقاعد: طبعاً لم أفكر يوماً أن أشتري من هذه الأسواق، لأن سعرها وعدم اختصاصها بصنف معين يوضح أنها "تعفيش".. وأنا لن أدخل شيئاً مسروقاً إلى منزلي.
ورغم وجود الكثير من الآراء الرافضة لهذه السوق ولوجودها كنا نرى إقبال قسم من الناس على شراء مثل هذه البضائع، ولدى سؤال "نور" عن سبب شرائه لغسالة أوتوماتيكية قال: "سعرها الزهيد شجّعني لشرائها، فبالنسبة لي كعامل بناء أتقاضى أجراً قليلاً لن أتردد باقتناص الفرصة، لكنّني على معرفة بأنّ الموضوع قد يكون بعيداً عن الحلال، ولذلك بمجرد أنّ تتحسن أحوالي الماديّة سأتخلص من هذه القطعة بسرعة.
خلال الحديث مع "نور" واجهنا مجموعة من الأشخاص، ويبدو أنّهم على صلة بتجارة هذه الأدوات والبضائع، لكنّهم يعلنون بكلام مشتت وعشوائي بأنّ مثل هذه البضائع تمّ شراؤها من أصحابها الأصليين، فهم يأتون إلى المنطقة بإرادتهم ويبيعونها لكونهم يستعدون للرحيل إلى مناطق سكنية أكثر أماناً!؟ أو طلباً للهجرة خارج القطر، لكنّ هؤلاء المتحدثين عارضوا الإجابة عن أيّ سؤال أو استفسار آخر عند طلب توضيح بسيط: «لماذا انتشرت هذه التجارة في أيّام الأزمة؟».
كان جوابهم السريع بأنّها كانت موجودة وبكثرة قبل الأزمة، ولكن الصحافة والناس لم تنتبه لذلك الأمر من قبل!
"عبد الكريم" 32 عاماً يستعد للزواج، ويجهز أساسياً منزل الزوجية صرّح: كثيراً ما رغبت في شراء لوازم البيت الجديد، ولا سيّما الغالية الثمن منها، من هذه الأسواق المنتشرة بين مناطق دويلعة وجرمانا والطبالة، لكن والديّ رفضا الأمر بتاتاً، فالأمر غير مرغوب فيه أبداً بالنسبة لهما، لكوني مقبلاً على حياة مستقبلية جديدة، إضافة لأنّ البضائع قد تكون مغشوشة، وتحمل أعطاباً لا يمكن للبائع أنّ يضمنها بعكس ما يمكن شراؤه من مؤسسات الدولة أو المحال الخاصّة، ولذلك أقلعت عن الفكرة لأتكلّف وقتاً ومالاً إضافيين لم أكن قد حسبت لهما الحساب الكافي.
أبو وليد 59 عاماً: سأشتري من هنا ولو كانت مسروقة من "القرود السود"، فأنا كان لدي منزل جميل وتهدم بالكامل بأثاثه، وبقيت مشرداً لا أملك شيئاً.. فهل برأيك أني قادر على شراء الجديد؟! وتعويض ما خسرته. سأشتري بضائع رخيصة مهما كان مصدرها.
آراء أصحاب "كار المستعمل" !!
لدى سؤال عدة بائعين ممن بدا عليهم الاحترافية في إقناع الزبائن بشرعية بضائعهم بقيت الأمور غير واضحة، فالبعض يحاول إلغاء الرؤية السلبيّة عن الموضوع، ومن اللافت للنظر أن تجار هذه المصلحة (إن انطبقت التسمية عليها) باتوا كثراً، فهل هي مسروقة أم إنّ أصحابها اضطروا لبيعها بأسعار زهيدة طلباً للهجرة خارج البلد أم لأسباب غير مطروقة.. لا يهم، فالمهم هنا أنها مرغوبة.
معظم تجار هذه المصلحة رفضوا التحدث عن مصادر البضاعة… أحدهم قبل بالتحدث مشترطاً عدم التعريف عن نفسه كاشفاً عن أن كثيراً من البيوت هجرها أصحابها فباتت من دون سكان، ومع مرور الوقت أصبح من السهل الدخول إليها ولاسيما أنّ مناطق كثيرة غير مراقبة اليوم، ويمكن للبعض التخفي والتسلل إليها بحجّة أنّهم أصحابها، وأنّهم يخرجون أغراضهم منها، وبالتالي يتمّ خلع الأبواب بطرق متنوعة، وإخراج الأغراض منها، وبيعها بأسعار غير محددة، وهذا هو المصدر المباشر للموضوع كلّه.
حقيقة..
أسعار البضائع الجديدة باتت خارج القدرة الشرائية للمواطن العادي، ما يدفعه للتفكير بشراء البضائع المستعمَلة من "أسواق التعفيش" التي تباع اليوم إما من خلال بعض محال تصليح الأدوات الكهربائية، أو من خلال البسطات أو الأسواق الإلكترونية.
وتبقى وسائل التواصل الاجتماعي السوق الأبرز للمواد المستعملة أو "المُعفّشة"؛ إذ يلجأ إليها المنكوبون غالباً لتعويضعفش شيء ما خسروه، والمضحك المبكي أن بعض من التقيناهم كانوا يرتادون هذه الأسواق ليس بهدف الشراء وإنما للبحث عن عفش منازلهم المنهوبة!!
حري بالذكر أن من الباعة من يقول علناً للزبائن إن بضائعه معفشة، وابتسامته عريضة توحي بثقة عالية بالنفس، والحقيقة كما رأينا أنه يحاول قولها مفتعلاً مشهداً كوميدياً يغطي به سواد وظلامية ما بين يديه، ويداري بضحكات مفتعلة وكوميديا سوداء سوء فعلته والأموال القذرة التي سوف يتقاضاها من أصحاب الحاجة.. ثمناً لخليط من شقاء عمر أرباب أسر؛ الكثير منهم يسيرون بين أيدي أمثاله، وليس لديهم الجرأة "لطيبتهم" بأن يمسكوا بتلابيبه ويقولوا بقهر: نحن نسوح اليوم في أسواق كهذه، ونتسول أساسيات عيشنا بسبب السارقين أمثالكم!!.
كنت قلقاً حينما صعدت جانب أبي وسام "صديقي وسائق سرفيس جرمانا - دويلعة" الذي كان –على غير عادته- يثور ويزبد ويلقي بقذائف غضبه على الركاب إن سولت نفس أحدهم بطلب النزول!!
أمسكت يده بقوة استحلافاً بأن يهدأ.. لأفهم أن قهره كان لأنه اشترى منشفة جديدة بدل تلك التي سرقها أحدهم اليوم من على رقبته في زحام جامد!!
أخبرني أن سرقة المناشف باتت تشكل قضية رأي عام لدى السائقين الذين ابتكروا "مكيفات المناشف" للمناورة بها رطبة تجاوزاً للفحات الحر التي لا ترحمهم في ساعات عمل الظهيرة.. سرقة المناشف باتت اليوم الموضة الجديدة لدى سارقي السائقين بعد أن باتت سرقة الجوالات من التابلوهات و"هبش" قبضات من الغلة "أولد فاشن" أو بمعنى آخر "دقة قديمة" لزم الإضافة عليها وابتداع ما يغير من احتياطات السائقين ويضع أولويات جديدة في حسبانهم خلال يوم عملهم الطويل.
السرقة مع دناءة النفس!
دناءة نفس.. دناءة نفس.. عبارة كان يرددها أبو ثائر وهو يسير حافياً متأملاً أرجل كل من يمر به؛ دونما حتى أن ينتبه لوجودي حينما بادرته بالسلام، كان قد رفع عينيه لأول مرة منذ نحو عشر دقائق ليرد عليّ السلام بكلمتين: "دناءة نفس".
- عفواً ؟!!
- ليس لك
- ما بالك؟!
- شحاطة متهالكة على أبواب التقاعد أروح وأجيء بها للمسجد.. سرقوها!! دناءة نفس.
- وما حاجتهم لشحاطة قديمة؟!
- كحاجتي بها.
- بسيطة، لمَ لم تشتر أخرى فور خروجك؛ من المحل المجاور؟!
- البلاستيك بـ 500 ليرة يا رجل.. حرام.. الدنيا آخر شهر! ابن الــ.. حاسبها صح.
خيراً تفعل..
رجل كهل ملهوف جاء منصور 24 عاماً راجياً إياه بأن يجري "تعليمة" من هاتفه لأنه يظن بأن جواله نسيه في سيارة الأجرة، وفي أقل من دقيقة أعاد الكهل الجوال لمنصور شاكراً إياه جزيل الشكر.. ومضى.
فتح منصور جواله.. ليجد رسالة: "تم التحويل بنجاح.. والرصيد المتبقي صفر".
وسرقة الرصيد أهون جداً من سرقة قطع الجوالات الأصلية وتركيب قطع "كوبي" أو صينية سيئة الصنع، لدى وضع الجهاز لدى فني صيانة يدعي النزاهة والقبول بأجر زهيد!!
مسروقات روجت لها الأزمة:
"عدا مسروقات دناءة النفس" ليست دائماً المسروقات تكون لاستخدامات شخصية؛ فهي اليوم مادة غنية لسوق كبيرة انتعشت أيما انتعاش خلال سني الأزمة. فما كان يعرف بسوق الحرامية قديماً في شارع الثورة، أصبح اليوم سوقاً جافاً مقارنة بأسواق "الحرامية" التي باتت تفتتح في مناطق عدة دونما أي محاسب لهم أو رقيب.
المسروقات المعروضة للبيع واضحة علناً للمراقب من عرضها في مكان عام ومن سعرها المنخفض عن سعر السوق بشكل كبير وانعدام وجود أي فاتورة مرفقة! ورغم عدم ملاحقة بائعي المسروقات من قبل أحد، إلا أنهم من باب الاحتياط بات كثيرون منهم يتجنبون عرض مسروقاتهم في مناطق عامة، بل وجدوا السوق الإلكترونية معرضاً وسيعاً عديم الضرائب وآمناً من أي ملاحقة، وأيضاً لإزالة الشبهة وزيادة في جشعهم أصبحت أسعار المسروقات أقل من أسعار الجديد بقليل، لإيهام المشتري أنها بضاعة مشتراة أصولاً من البائع الذي يدعي بأنه صاحب ملكية وله الحق في بيع غرضه الثمين بسعر مجز!
بيع المسروقات باتت مهنة لها مختصوها!!
المسروقات أو "الأدوات المستعملة" كما يحلو للبعض أن يسميها أصبح لها محال، وأصبحت تجارة مهمة في أحداث الأزمة السورية، وتتحكم بها ظروف تبين لنا أنّها غير منحصرة برقم صغير.
يمكن للمراقب في الأحياء الحيوية في دمشق كسوق شارع الثورة مثلاً أن يرى في كلّ يوم بضائع تفد إلى السوق تحملها سيارات الشحن من أماكن مجهولة، ويتقاضى سائقوها أجرتهم ويرحلون، وفي كلّ يوم أشكال وألوان جديدة متشابهة وغير متشابهة، فأحياناً "كنبايات"، وأحياناً غسالات أو طاولات أو كهربائيات، وحتى ملابس بموديلات، وأحياناً كلها مع بعضها ويتم فرزها على الرصيف فيما بعد!
سؤال للناس: هل تشتري منها؟!
خالد 24 عاماً؛ طالب جامعي: لا أشتري.. مطلقاً ، فمصدر هذه البضائع مجهول، ولا أريد حتى السؤال من أين تأتي؟
أبو عماد ستيني، متقاعد: طبعاً لم أفكر يوماً أن أشتري من هذه الأسواق، لأن سعرها وعدم اختصاصها بصنف معين يوضح أنها "تعفيش".. وأنا لن أدخل شيئاً مسروقاً إلى منزلي.
ورغم وجود الكثير من الآراء الرافضة لهذه السوق ولوجودها كنا نرى إقبال قسم من الناس على شراء مثل هذه البضائع، ولدى سؤال "نور" عن سبب شرائه لغسالة أوتوماتيكية قال: "سعرها الزهيد شجّعني لشرائها، فبالنسبة لي كعامل بناء أتقاضى أجراً قليلاً لن أتردد باقتناص الفرصة، لكنّني على معرفة بأنّ الموضوع قد يكون بعيداً عن الحلال، ولذلك بمجرد أنّ تتحسن أحوالي الماديّة سأتخلص من هذه القطعة بسرعة.
خلال الحديث مع "نور" واجهنا مجموعة من الأشخاص، ويبدو أنّهم على صلة بتجارة هذه الأدوات والبضائع، لكنّهم يعلنون بكلام مشتت وعشوائي بأنّ مثل هذه البضائع تمّ شراؤها من أصحابها الأصليين، فهم يأتون إلى المنطقة بإرادتهم ويبيعونها لكونهم يستعدون للرحيل إلى مناطق سكنية أكثر أماناً!؟ أو طلباً للهجرة خارج القطر، لكنّ هؤلاء المتحدثين عارضوا الإجابة عن أيّ سؤال أو استفسار آخر عند طلب توضيح بسيط: «لماذا انتشرت هذه التجارة في أيّام الأزمة؟».
كان جوابهم السريع بأنّها كانت موجودة وبكثرة قبل الأزمة، ولكن الصحافة والناس لم تنتبه لذلك الأمر من قبل!
"عبد الكريم" 32 عاماً يستعد للزواج، ويجهز أساسياً منزل الزوجية صرّح: كثيراً ما رغبت في شراء لوازم البيت الجديد، ولا سيّما الغالية الثمن منها، من هذه الأسواق المنتشرة بين مناطق دويلعة وجرمانا والطبالة، لكن والديّ رفضا الأمر بتاتاً، فالأمر غير مرغوب فيه أبداً بالنسبة لهما، لكوني مقبلاً على حياة مستقبلية جديدة، إضافة لأنّ البضائع قد تكون مغشوشة، وتحمل أعطاباً لا يمكن للبائع أنّ يضمنها بعكس ما يمكن شراؤه من مؤسسات الدولة أو المحال الخاصّة، ولذلك أقلعت عن الفكرة لأتكلّف وقتاً ومالاً إضافيين لم أكن قد حسبت لهما الحساب الكافي.
أبو وليد 59 عاماً: سأشتري من هنا ولو كانت مسروقة من "القرود السود"، فأنا كان لدي منزل جميل وتهدم بالكامل بأثاثه، وبقيت مشرداً لا أملك شيئاً.. فهل برأيك أني قادر على شراء الجديد؟! وتعويض ما خسرته. سأشتري بضائع رخيصة مهما كان مصدرها.
آراء أصحاب "كار المستعمل" !!
لدى سؤال عدة بائعين ممن بدا عليهم الاحترافية في إقناع الزبائن بشرعية بضائعهم بقيت الأمور غير واضحة، فالبعض يحاول إلغاء الرؤية السلبيّة عن الموضوع، ومن اللافت للنظر أن تجار هذه المصلحة (إن انطبقت التسمية عليها) باتوا كثراً، فهل هي مسروقة أم إنّ أصحابها اضطروا لبيعها بأسعار زهيدة طلباً للهجرة خارج البلد أم لأسباب غير مطروقة.. لا يهم، فالمهم هنا أنها مرغوبة.
معظم تجار هذه المصلحة رفضوا التحدث عن مصادر البضاعة… أحدهم قبل بالتحدث مشترطاً عدم التعريف عن نفسه كاشفاً عن أن كثيراً من البيوت هجرها أصحابها فباتت من دون سكان، ومع مرور الوقت أصبح من السهل الدخول إليها ولاسيما أنّ مناطق كثيرة غير مراقبة اليوم، ويمكن للبعض التخفي والتسلل إليها بحجّة أنّهم أصحابها، وأنّهم يخرجون أغراضهم منها، وبالتالي يتمّ خلع الأبواب بطرق متنوعة، وإخراج الأغراض منها، وبيعها بأسعار غير محددة، وهذا هو المصدر المباشر للموضوع كلّه.
حقيقة..
أسعار البضائع الجديدة باتت خارج القدرة الشرائية للمواطن العادي، ما يدفعه للتفكير بشراء البضائع المستعمَلة من "أسواق التعفيش" التي تباع اليوم إما من خلال بعض محال تصليح الأدوات الكهربائية، أو من خلال البسطات أو الأسواق الإلكترونية.
وتبقى وسائل التواصل الاجتماعي السوق الأبرز للمواد المستعملة أو "المُعفّشة"؛ إذ يلجأ إليها المنكوبون غالباً لتعويضعفش شيء ما خسروه، والمضحك المبكي أن بعض من التقيناهم كانوا يرتادون هذه الأسواق ليس بهدف الشراء وإنما للبحث عن عفش منازلهم المنهوبة!!
حري بالذكر أن من الباعة من يقول علناً للزبائن إن بضائعه معفشة، وابتسامته عريضة توحي بثقة عالية بالنفس، والحقيقة كما رأينا أنه يحاول قولها مفتعلاً مشهداً كوميدياً يغطي به سواد وظلامية ما بين يديه، ويداري بضحكات مفتعلة وكوميديا سوداء سوء فعلته والأموال القذرة التي سوف يتقاضاها من أصحاب الحاجة.. ثمناً لخليط من شقاء عمر أرباب أسر؛ الكثير منهم يسيرون بين أيدي أمثاله، وليس لديهم الجرأة "لطيبتهم" بأن يمسكوا بتلابيبه ويقولوا بقهر: نحن نسوح اليوم في أسواق كهذه، ونتسول أساسيات عيشنا بسبب السارقين أمثالكم!!.