بناء الثقة
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٣٠ مايو ٢٠٢٣
لا ضير أن نمرّ بمرحلة اختبار تهدف إلى استعادة الثقة بين أبناء شعبنا هذا أولاً، وثانياً مع الشعوب المحيطة بنا بعد أن حل ما حل بيننا وبين الآخرين، فالذي أطرحه يتشكل من رغبة ممزوجة مع إرادة تهدف إلى إعادة بنائها على أسس واضحة، أعمدتها الحقوق المتبادلة بين أبناء الوطن ومع الأشقاء والأصدقاء، تحكمها العودة الأخلاقية إلى الأصالة المبنية على القيم الإنسانية والعلمية.
الذي وصلنا إليه يوضح حجم تراكم الطباع وامتزاجها بين الجيد والرديء والحسن والأحسن والسيئ والأسوأ، وظهر من خلالها تغلب الأضداد على الحكمة، واستولت الرغبات والشهوات على الأخلاق، وانفلتت الغرائز، فسادت الشبهات، هذه التي لا تفيد الأعمال وتوقف الإبداع وتنهي التقدم إلى الأمام، ما فتح فرصة كبرى للعودة إلى الوراء، بل أكثر من ذلك الاستيطان فيه، وهذا بحدّ ذاته مقتل أي ثقة بين أفراد الشعب، وهنا أشير إلى تعاظم دور الدولة، وتتقدم أهميتها في فكر أبنائها عندما يمتلئون بالثقة بها، ومهما بلغت قدراتها المالية فهي آيلة للانهيار إذا وهن فكر وسواعد أبنائها، واتجهوا إلى الغنائم بدلاً من التحصّن بالعمل والإبداع.
لنخرج من الظن المقيت، ولنتأمل الواقع وما فيه، فما غايتنا من كتابة هذه الكلمات على السطور إلا الإضاءة على ما نمر به، ولست بصدد استعراض الحاضر الذي أعتبره كائناً بفضل مشاهد الماضي القريب المؤثر والبعيد المسيطر على العقول، إلا من باب التنبه لضرورة إعادة البناء، ولا أزجي من كلماتي ملء الفراغات، إنما من أجل غاية أسمى تحمل الحب الذي به نعيد الثقة، فلا بد لنا من روح جديدة نتطهر بها من ذكريات الجهل والتخلف والإخفاق والفشل، وتخلق في مجتمعاتنا منطقاً جديداً يناقش ضرورات الحاضر، وما سيحمله المستقبل من مجهول، إن لم نحوله إلى معلوم، وإلا فإننا سنظل امتداداً لظلمات الماضي الذي استعمرنا فيه أنفسنا قبل أن يحتلنا المستعمرون.
الثقة تبنى بمغادرة الماضي وصناعة حاضر جديد، وإن الإفراط في الانتظار والاعتماد على الضغط لا يؤتي بالثمار، ولا يؤدي إلا إلى الاضطراب، إنما خلق بداية جديدة وهي متاحة الآن كثيراً بما أننا نحيا على أنقاض الأمس، نتجه من خلالها إلى نهضة نتبيّن من خلالها وضعنا ومكاننا، ونواجه بها حقيقة ما نحتاجه وأهمية إعادة تكوين شخصية إنساننا تؤمن بالعقل وتتمسك بالعمل وتدرك معنى النمو، فإذا وصلنا إلى هذه المفاهيم نكون حقيقة واقعة لها شخصيتها وهويتها الاجتماعية والوطنية والدولية، ومعنى وجودنا كشعب أننا موجودون بفضل قوانا التي تمكننا من إمدادنا بالطاقة وبالحياة والحرية التي تضنُّ على الذين لا يستحقونها، وهنا أؤكد أنه صار لزاماً علينا أن نبحث عن المقومات التي تجعلنا أهلاً لها.
الثقة تمثل الحصانة الشرعية بين القائد والشعب، وبها تتضاعف قواهما، وتنجح في مواجهة أي مشروع تخلفي أو عدواني يقع عليهما. سأل جندي قائده إن سيفي قصير، فأجابه القائد تقدم إلى الأمام خطوة سيغدو في يدك طويلاً، وإن بقيت مكانك سهل اصطيادك. وسأل ابن والده كيف أغدو كبيراً ومتقدماً؟ فأجابه بالعلم والمعرفة لا بالوزن والجسد، فالتقدم إلى الأمام يمنح الإنسان موقعاً جديداً، وهذا ما يريده القائد من الشعب والأمة، إن أرادا الحضور الحقيقي والانتصار الواقعي على كل ما يريد جذبنا إلى الوراء.
يكفينا أننا نحيا عصراً مضطرباً لدرجة فقدت ضمنه البشرية ثقتها إلى حدود كبيرة في كل محاور الحياة، وهذا ما رأيناه قبل وفي أثناء الحروب الكبرى وبعدها، ما حدث مع ولادات مثلث القداسة، ولولا وجود قائد متنور امتلك الصبر والحكمة التي لم يصل إلى أطرافها سواد المقربين لتشرذمت البلاد، ولتشتَّت الناس، وفرط عقد الوطن، لذلك وجدت أن الرئيس بشار الأسد يتصف بصفات تجعله في طليعة رؤساء العالم نظراً لطبيعة عصره وما يحمله من خطوب فلا هدأة فيه ولا سكون، ورغم كل الضغط الذي مورس ويمارس عليه من الغرب برمَّته ووسائطه الإعلامية والتكنولوجية القانونية اللا شرعية، إلا أنه أصرَّ من خلال ثقته بالنصر وبالشعب وقواه على المثابرة والتقدم، لأنه رمز واسع الآفاق مثّل شعبه خير تمثيل بشكل خاص وأمته التي أعاد إليها عروبتها بحضوره قمتها، فكان إشراقاً جديداً للأمة، ومع تحليل شخصيته تجده رئيساً حكيماً رحيماً كريماً محباً لشعبه وأمته، دائب السعي للارتقاء بهما، رغم ما مر به وبالبلاد والعباد من ظروف صعبة ومركبة، وتراه مشجعاً للعلم والفنون والفكر والأدب وموجهاً خلاقاً في السياسات الداخلية، يطالب الجميع بعدم تجاوز القانون، كما تراه حاملاً أميناً لشؤون السياسة الخارجية وإرادته أن يكون لسورية مقام مهم بين دول العالم.
إن بناء الثقة في عصر كهذا لجدير بالعناية والدرس من كل المهتمين بشأن خلاص سورية، وانتصارها على العدوان المركب يوازي انتصارها على الجهل والتخلف والفساد.
د. نبيل طعمة