تمرد على التقاليد
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ١٩ ديسمبر ٢٠٢٣
تُحْدثه الأنثى الملتهبة، ذات النفس الكريمة، التي تلمع عيناها برغبة حادة تشتهي ولا ترتوي من حب في جسدها ينازع نفسها، لا تعرف غريزة الاستسلام إنما تبحث عن كفوء لقلبها وروحها، ترسل الأنين بين الحين والحين، وتعترف بالحب لمن تحب وتقول إنني لا أحبك أبداً، ولكنني أعبدك، لا أريدك ولكني لا أستطيع أن أتخلى عنك، فأنت حبي الخالص، وأنت حياتي تسكن أحشائي وتسيل في دمي، قد تستطيع مغادرتي لكني لا أستطيع مغادرتك، ها أنا ذا أغنيك بجرسي الشجي وهواجسه الخفية، وأخلق فيك جرساً للعطور الخفيفة والألوان والأصوات كي أربطك بصلات أليفة، إنها وثنية في حبها، إيمانها بالحب يُظهر صدقها وصفاء حبها، حينما تخلو لذاتها تتداول معها الأساطير الحاملة أسفاراً عجيبة تمنحها غرائب الطبيعة وقوى لا مرئية تسكن جوهر فكرها المتكون من أور سومر إلى الألواح الهيروغليفية مروراً بروما لتعود إلى فينيقيا وكنعان، ومشاعر وأحاسيس تظهر من عواطفها، وإذا تملكتها الغيرة تقول: ها أنا ذا أغار منك عليك.. أغار من شَعري الذي تداعبه أناملك بدلاً من نسمات الربيع أو الصيف، تعلقتُ بكَ لأنكَ امتلأتَ غيرة من أرديتي المسترجلة وحضوري الثري، الذي يتحدث من نظراتكَ، هامساً من شفتيكَ، إنها تظهر تَكوز نَهديكِ العارمين... وذاك الذي يلف ردفيك الشاخصتين، أغار من أهدابك العلوية المرخية على عينيك ذواتي البريق الجاذب... وكأنها الليل بنجمه وقمره ضوءاً وعمقاً... أغار من هؤلاء الذين يحلّقون حولك وينظرون إلى جسدك نظر الجائع الهالك، ولا أطيق المكان الذي تنحدر إليه عيناك... كل هذا يثير في داخلي الشك والغيرة، ورداً على غيرته تتحدث بلغتها: ثق يا حبيبي في حبي! لم يعد فيّ أي مكان أو أية علاقة لهوى بعدما رأيتك ، فالذين التقوا بي أو قبلوني لم يقابلوا أو يقبّلوا سوى شبح.. ها أنا بين يديك بلحمي ودمي وفكري وأحاسيسي ومشاعري، هل تحس نار الرغبة في جسدي؟ ألا يلدعك ما تذوقه من لذة دافئة، أحبك حب النهم الجائع الذي ظل يبحث عن الغذاء المنشود حتى وجده.
هكذا هي الأنثى، الحياة والحب، عندما تتمرد تقتحم كل شيء حتى الهياكل المقدسة، لا يقف أمام تطلعاتها سوى محراب حبها، لأنها تثير في مسيرها كل العواصف والشجون وتتحول إلى ركن من أركان النزعات العقلية وقطب من أقطاب التفكير الخلاق، ليندفع مريد الحياة "الحب" من خلال ذلك قائلاً: يجب أن تَقدّر وأن تعطي قيمة التقدير لأنه قادم من القدر الذي يمثل بها السحر المنشود، وبذلك تكون أبدع مَثّال صاغه للبشر من صخرة الحياة التي إن لم يُدرك معانيها تنهار مفاتنها وتنتهي، وعليها تتحطم أعتى القوى مجسدة وراء كل عظيم أنثى، إن لم يحافظ عليها تدفعه إلى الهاوية.
الأنثى لغز نسوي أعيت أعتى الرجال علماً وفصاحة وعقلاً ومكراً وكيداً، ولم يتمكن حتى اللحظة كائن على فك مغاليقها والتي قضى المهتمون نحبهم في البحث عن مفاتيحها.
في رائعة النهار تمتلك الأنثى سياسة الصبر والترقب ضمن عالمها الجريء مجسدة فيه إقداماً على الحياة إلى أن يأتي ليلها الذي تجترىء فيه على كل شيء، فإذا كانت عاشقة تراها مستكينة إليه منتظرة قدومه، وعندما يحضر تراها تسترشد بنوره وتهتدي إلى صدره بعد أن تأنقت ووعدت نفسها بالهوى وتحقيق رغبات العطش والجوع، هي هكذا تمتلك الذوق المصقول الموكّل بفخامة الجسد القادمة من إتقان الصانع المبدع الذي تنساه لحظة حصول اللقاء وتقديم الحب الملهم، ويكتب في لحظتها أهم فصل عند توقد العيون ضمن ظلمة تنشئ عذوبة التداخل وعنفه.
ضرورة حتمية فهم الأنثى المتمردة التي تكسر القيود بحبها، ومع ظهور مغارس اللذة التي تتلامح منها ينبغي حضور احتوائها لأنها تخاف من الغد الذي يحمل الرماد من جمرتها وحضور عبثية الملل الذي يجب أن لا تصل إليه إلا إذا استسلمت.
هنا أقول لنعيش عقلاء أو مجانين "ليس لهذا من شأن" ولكن يجب أن نحيا بصدق إذا أردنا أن نحيا سعداء، فقط أعطِ الأنثى حريتها وقل ما شئت لأنك تبادلت معها بهذه بالحرية التملك، فإذا فعلت غير ذلك بقيت معك كمُلك لا كحب، وحينها تكون قد خسرت كل تمردها وأنوثتها العاشقة للحياة.
د. نبيل طعمة