تمكين المرأة
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٢
نستمع ونقرأ ونسمع بين الفينة والأخرى عن مصطلح أو مانشيت عريض، أو نلتئم إلى ندوة أو منتدى أو محاضرة، يكون عنوانها واسعاً وعريضاً، حتى إن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ما فتئت تتداوله تارة حول اللغة وتمكينها والمرأة وتبوّئها حضورها على منصات الحياة، وتحميلها للمسؤوليات وتكليفها بالمهام، المهم أن هذا المصطلح بدأ طرحه منذ مطلع الستينيات في القرن الماضي بين أروقة منظمات الأمم المتحدة، وتبنته كشعار العديد من الدول، والهدف منح النساء دوراً تشاركياً في الحياة العلمية والعملية، ودفعها للانخراط أكثر في عمليات القيادة والبناء والإنتاج الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والحدّ قدر الإمكان من سيطرة وسطوة الرجال على مجمل الأعمال، ومنها إبقاء الهيمنة على المرأة في أثناء اختبارها واختيارها للوظائف والمهام، فمازال وبعد أكثر من نصف قرن يتحكم الرجل، يقرر ويأمر وينهي إلى درجة كبيرة، وخصوصاً في مجتمعات دول العالم الثالث من دون استثناء. ما يسمى العالم الأول الذي يحمل الكثير من اضطهاد للمرأة بشكل ظاهر وخفي، رغم كل القوانين التي منحها العديد من الحقوق في المساواة العلمية والقيادية والإنتاجية وحتى الروحية، والسبب أن البناء الروحي لدى مثلث الأديان وضع المرأة في المرتبة الثانية بعد الرجل، فالديانة اليهودية اعتبرت المرأة غير طاهرة وهي للجنس والإنجاب وخدمة أهداف مجتمعاتها، وفي المسيحية الرجل رأسها وهي جسده، وفي الإسلام للذكر مثل حظ الانثيين، وتحتاج أي واقعة لشهادة امرأتين مقابل شهادة رجل واحد، والعصمة بيد الرجل مازالت لدى السواد الأعظم مع بقاء القوامة للرجل رغم مقولة من ينفق يشرف.
من هذا أنطلق لأقول: إن التمكين الحقيقي للمرأة يكون بتحريرها فكرياً واجتماعياً واقتصادياً، وتحرير الرجل من عقدة النظر إليها كلقمة سائغة، وإنها شهوة دائمة له، هذا الشعور المنتشر في عقل الذكورة أينما وجد في الغرب أو في الشرق، في الشمال كما في الجنوب.
قدرة المرأة غدت أكثر من واضحة في المنافسة وعلى كل محاور الحياة، إلا أن هيمنة الرجل المشبعة باللغة التاريخية الروحية والذكورية القيادية تمنع من إيصالها إلى حقوقها في المساواة والعدالة والإنصاف، رغم كل التطور الفكري وانكشاف العديد من المقولات والعقائد وأسباب انتشارها، إلا أن سواد الذكورة وبشكل خاص من تتمركز بيدهم مراكز القرار لا يريدون إيصالها رغم إنشائياتهم اللغوية حول أنها نصف المجتمع، وأنها المُعدّة الأولى لبناء المجتمع والتصرف الدائم عكس كل ذلك.
ونجد أن عقلية المشاعية القديمة مازالت تسيطر على عقول الكثرة، رغم وصولنا إلى الحداثة، فهل المستقبل ماضٍ نرويه بوجوه متجدّدة؟ وهل فعلاً نسعى لتطوير وتمكين المرأة بالتخلي عن السبق المسكون باتجاهها؟ فالرجل هو المخلوق الوحيد الذي يخجل، لأنه يفعل ما يُخجل، وإصراره على أنه ذكر بعد أن ذكّر كل شيء من الإله إلى الأنبياء والرسل إلى الكهنوت الديني، الذي منع أن يكون هناك رسوله أو حتى نبيه، وأزاح من التاريخ ذكر إنجازاتها، وترك بعضاً من الإضاءات لها التي انتهت دائماً بسلبية غير محببة، فعن أي تمكين نتحدث مادام قدرها بيد رجل، أو يخضع تقييمها وتقويمها لرجل؟ وهنا أجدني آخذ عليها سلبيتها في استسلامها له، فإذا أدركت عملية التكامل، وأن من دونها لا يجبر الواحد ولا يظهر البنيان، وملكت مما يملكه، فإنها واصلة لا محالة إلى أهدافها معه.
أليس من الأولى قبل أن أطرح هذا العنوان البحث عن تمكين الرجل ودفعه للتخلص من عقدة الذكورة التاريخية واستيعابه لقدراتها، وتقدمه باعتراف بأنها تستحق فعلاً لا قولاً أنها نصف الحياة، وأنه يتكامل بها، وتتكامل به، فيكون الإنصاف الإستراتيجي، ويكون النجاح أفضل وأعم وأشمل.
د. نبيل طعمة