جنيف 2: قصة الرسائل الأميركية المتناقضة
مؤتمر جنيف 2
السبت، ١ مارس ٢٠١٤
قد يمضي وقت طويل قبل العودة إلى «جنيف 3». والأهم أنه يقتضي لذلك حدث كبير، هزيمة ما أو مأساة أخرى أو حتى كارثة جديدة، لتقتنع واشنطن بالذهاب إلى طاولة مفاوضات ما، ولو شكلية. هذا ما بدأ يتأكد للمتابعين للشأن السوري، خصوصاً للمطلعين على كيفية الإعداد الأميركي لـ «جنيف 2». إذ يروي أحد أبرز قادة المعارضة السورية السلمية في الخارج، أن فريقه لم يشك لحظة في فشل اللقاءات السويسرية في كانون الثاني الماضي، لمجرد أنه كان متابعاً للاتصالات الأميركية التي سبقتها، أو حتى لأجواء واشنطن حيال الأحداث السورية منذ بدايتها قبل ثلاث سنوات.
يقول: منذ اللحظة الأولى كانت هناك محاولة من قبل جماعة «الإخوان المسلمين»، وبالتنسيق طبعاً مع جهات خارجية وخصوصاً أميركية، من أجل مصادرة المعارضة في سوريا واحتكار عنوانها والاستئثار بقرارها. لكن من دون نتيجة، بل على العكس، انتهت محاولاتهم إلى فشل ذريع. يكفي أن نتذكر انهم بعد بدء حركات الاحتجاج العربية في كل من تونس ومصر وليبيا، أعلنوا ثورتهم عبر «العالم الافتراضي» أو مواقع التواصل الاجتماعي. وحددوا موعداً لبدء تحركهم في سوريا، في 15 شباط 2011. غير أن اي مواطن سوري لم يتظاهر يومها. فأدركوا عندها حقيقة حجمهم، وراحوا مذذاك يفكرون بوسائل أخرى لخطف المعارضة السورية. أما نحن ــــ يتابع المعارض البارز ــــ فكنا ننتظر سقوط حسني مبارك، لنبدأ تحركنا. لأننا كنا نراهن على الدفع الثوري المصري في كل منطقتنا العربية. كما كنا نراهن على وحدة الموقف والاتجاه الوجداني بين الشعبين المصري والسوري المترابطين تاريخياً. تحركنا الأول كان في درعا، يوم 18 آذار 2011. كان المشاركون نحو 1200 شخص. وهذا رقم مهم جداً في تلك الظروف. هكذا أطلقنا نحن الثورة السورية تحت شعار الخبز والكرامة والحرية والسلمية والمدنية. لكن الجميع يعرف كيف بدأ التحول من السلمي إلى العنفي، ومن المدني إلى الإسلامي. النظام مسؤول عن ذلك، تماماً كما جماعات الخارج وعرابوهم. ففي الأيام الأخيرة من العام 2011 حاولنا إقرار ميثاق عمل مشترك لمعارضة سلمية مدنية، لكن الخارج أجهض مساعينا. تم إفشال إعلان القاهرة، ومن ثم إعلان جنيف الخاص بهيئة التنسيق. في تلك الاجتماعات كان السفيران، الأميركي روبرت فورد والفرنسي إريك شوفالييه، حاضرين معنا، ولم يتطرق أي منهما إلى وثائقنا السلمية. كانوا كلهم مع نظرية الحسم العسكري، فصاروا فعلياً حلفاء موضوعيين للنظام.
استمرت الأمور على هذه الحال أكثر من سنة ونصف، يقول المعارض السوري نفسه، طيلة العام 2012 ونحو نصف العام 2013. حتى بدأ البعض يقتنع بضرورة الحل السلمي، بعد فشل العنف وبعد تحوله عملاً منهجياً لتدمير سوريا، وخصوصاً بعد استحالة الحسم العسكري وتأكد وهمه. لكن لسوء حظنا، في تلك اللحظة بالذات، صار الانتقال في إدارة المعارضات السورية المسلحة في الخارج، من قطر إلى السعودية. وصار الانتقال في واشنطن من كلينتون إلى كيري، فأعطي العنف فرصة جديدة. والأهم أنه في ذلك الحين كانت ملفات أخرى قد فُتحت من حولنا بالنسبة للقوى الخارجية المتدخلة في الشؤون السورية: إيران، العراق، لبنان… فصارت القضية السورية تفصيلاً في التفاوض الخارجي، لا جوهر البحث.
ويكشف المعارض السوري ما يعتبره أدلة قاطعة على عدم جدية المعنيين بمؤتمر «جنيف 2»، يقول: في 13 حزيران 2013، اتصل أحد الدبلوماسيين الأميركيين المعروفين بفريقنا. وهو كان ضابط اتصال معتمداً بيننا وبين واشنطن. طلب منا نقل رسالة من إدارته إلى موسكو، مفادها أنهم يعتبرون أن مسار جنيف قد انتهى ومات. وأن خياراتهم باتت مغايرة كلياً. ذكرناه بأن اجتماعاً بيننا وبين زملائه من أركان الإدارة الأميركية كان قد حصل قبل شهر وأسبوع، في 7 أيار الذي سبق، وانتهى يومها إلى عكس ما يبلغنا إياه الآن. لكنه أصر على موقف إدارته الجديد. حتى أنه أخرج رسالة بالبريد الإلكتروني من السفير فورد، تؤكد طلبه المستجد وتشدد على التزام تلك التوجيهات المناقضة لما سبقها. لكن لماذا علينا نحن السوريين أن نبلغ ذلك إلى الروس؟ فهذا أمر لم نفهمه حتى الآن، يقول المعارض السوري. قبل أن يتابع روايته باسماً: مرت ثلاثة اسابيع، قبل أن يتصل بنا فورد مباشرة، وينقل إلينا توجهاً مخالفاً مرة أخرى. صار الآن مع مؤتمر جنيف ومع ضرورة انعقاده وإنجاحه. ما الذي تغير في ثلاثة أسابيع؟ بكل بساطة، كان محمد مرسي قد سقط في تلك الفترة. وهو ما قلب السياسة الأميركية مرة أخرى. ذلك أن نظرية الاستقرار الأميركي في المنطقة كانت قد انتقلت بسرعة من الاعتماد على الإخوان المسلمين، إلى العودة للاعتماد على العسكر والجيوش. وهو ما أثر بشكل مباشر على مقاربة واشنطن للأوضاع في سوريا. فمع وجود مرسي في القاهرة، لم يكن الأميركيون مهتمين بمسار جنيف، بل بإعطاء الفرصة لوصول الإخوان إلى الحكم في دمشق أيضاً. أما بعد سقوط الإخوان في مصر، فسقطت فرصتهم في سوريا واضطرت واشنطن إلى العودة السريعة إلى مسار جنيف. حتى أنها قررت العودة بمن حضر، وكيفما كان. في خلال وقت قصير، يؤكد المعارض السوري، طلب فورد من الائتلاف السوري المعارض تشكيل وفده والحضور إلى سويسرا، ولو بأكثرية صوت واحد من أعضاء مجموعته الـ 58. اتصل بنا الجربا يومها عارضاً إصدار بيان يرفض المشاركة بهذه الطريقة. وافقنا فوراً. لكنه ذهب ولم يعد ولم يصدر البيان. وفي المقابل بدا وفد النظام مشكلاً بالطريقة نفسها. لم يسع الأميركيون لدى المعارضة لضم أية وجوه حوارية مفاوضة. كذلك لم يسع الروس لدى النظام لمشاركة حواريين من قبله. فصار لقاء جنيف الثاني كوكتيل مولوتوف معداً للانفجار. وهذا ما حصل.
أي حدث قد يكون قادراً الآن على إحياء «جنيف 3» في الحسابات الأميركية؟ سقوط أي وهم عسكري جديد؟ أو سقوط من على غرار مرسي؟ وهل تكون المحطة الثالثة ثابتة لجدية في المقاربة ومحاولة الحل؟
يقول: منذ اللحظة الأولى كانت هناك محاولة من قبل جماعة «الإخوان المسلمين»، وبالتنسيق طبعاً مع جهات خارجية وخصوصاً أميركية، من أجل مصادرة المعارضة في سوريا واحتكار عنوانها والاستئثار بقرارها. لكن من دون نتيجة، بل على العكس، انتهت محاولاتهم إلى فشل ذريع. يكفي أن نتذكر انهم بعد بدء حركات الاحتجاج العربية في كل من تونس ومصر وليبيا، أعلنوا ثورتهم عبر «العالم الافتراضي» أو مواقع التواصل الاجتماعي. وحددوا موعداً لبدء تحركهم في سوريا، في 15 شباط 2011. غير أن اي مواطن سوري لم يتظاهر يومها. فأدركوا عندها حقيقة حجمهم، وراحوا مذذاك يفكرون بوسائل أخرى لخطف المعارضة السورية. أما نحن ــــ يتابع المعارض البارز ــــ فكنا ننتظر سقوط حسني مبارك، لنبدأ تحركنا. لأننا كنا نراهن على الدفع الثوري المصري في كل منطقتنا العربية. كما كنا نراهن على وحدة الموقف والاتجاه الوجداني بين الشعبين المصري والسوري المترابطين تاريخياً. تحركنا الأول كان في درعا، يوم 18 آذار 2011. كان المشاركون نحو 1200 شخص. وهذا رقم مهم جداً في تلك الظروف. هكذا أطلقنا نحن الثورة السورية تحت شعار الخبز والكرامة والحرية والسلمية والمدنية. لكن الجميع يعرف كيف بدأ التحول من السلمي إلى العنفي، ومن المدني إلى الإسلامي. النظام مسؤول عن ذلك، تماماً كما جماعات الخارج وعرابوهم. ففي الأيام الأخيرة من العام 2011 حاولنا إقرار ميثاق عمل مشترك لمعارضة سلمية مدنية، لكن الخارج أجهض مساعينا. تم إفشال إعلان القاهرة، ومن ثم إعلان جنيف الخاص بهيئة التنسيق. في تلك الاجتماعات كان السفيران، الأميركي روبرت فورد والفرنسي إريك شوفالييه، حاضرين معنا، ولم يتطرق أي منهما إلى وثائقنا السلمية. كانوا كلهم مع نظرية الحسم العسكري، فصاروا فعلياً حلفاء موضوعيين للنظام.
استمرت الأمور على هذه الحال أكثر من سنة ونصف، يقول المعارض السوري نفسه، طيلة العام 2012 ونحو نصف العام 2013. حتى بدأ البعض يقتنع بضرورة الحل السلمي، بعد فشل العنف وبعد تحوله عملاً منهجياً لتدمير سوريا، وخصوصاً بعد استحالة الحسم العسكري وتأكد وهمه. لكن لسوء حظنا، في تلك اللحظة بالذات، صار الانتقال في إدارة المعارضات السورية المسلحة في الخارج، من قطر إلى السعودية. وصار الانتقال في واشنطن من كلينتون إلى كيري، فأعطي العنف فرصة جديدة. والأهم أنه في ذلك الحين كانت ملفات أخرى قد فُتحت من حولنا بالنسبة للقوى الخارجية المتدخلة في الشؤون السورية: إيران، العراق، لبنان… فصارت القضية السورية تفصيلاً في التفاوض الخارجي، لا جوهر البحث.
ويكشف المعارض السوري ما يعتبره أدلة قاطعة على عدم جدية المعنيين بمؤتمر «جنيف 2»، يقول: في 13 حزيران 2013، اتصل أحد الدبلوماسيين الأميركيين المعروفين بفريقنا. وهو كان ضابط اتصال معتمداً بيننا وبين واشنطن. طلب منا نقل رسالة من إدارته إلى موسكو، مفادها أنهم يعتبرون أن مسار جنيف قد انتهى ومات. وأن خياراتهم باتت مغايرة كلياً. ذكرناه بأن اجتماعاً بيننا وبين زملائه من أركان الإدارة الأميركية كان قد حصل قبل شهر وأسبوع، في 7 أيار الذي سبق، وانتهى يومها إلى عكس ما يبلغنا إياه الآن. لكنه أصر على موقف إدارته الجديد. حتى أنه أخرج رسالة بالبريد الإلكتروني من السفير فورد، تؤكد طلبه المستجد وتشدد على التزام تلك التوجيهات المناقضة لما سبقها. لكن لماذا علينا نحن السوريين أن نبلغ ذلك إلى الروس؟ فهذا أمر لم نفهمه حتى الآن، يقول المعارض السوري. قبل أن يتابع روايته باسماً: مرت ثلاثة اسابيع، قبل أن يتصل بنا فورد مباشرة، وينقل إلينا توجهاً مخالفاً مرة أخرى. صار الآن مع مؤتمر جنيف ومع ضرورة انعقاده وإنجاحه. ما الذي تغير في ثلاثة أسابيع؟ بكل بساطة، كان محمد مرسي قد سقط في تلك الفترة. وهو ما قلب السياسة الأميركية مرة أخرى. ذلك أن نظرية الاستقرار الأميركي في المنطقة كانت قد انتقلت بسرعة من الاعتماد على الإخوان المسلمين، إلى العودة للاعتماد على العسكر والجيوش. وهو ما أثر بشكل مباشر على مقاربة واشنطن للأوضاع في سوريا. فمع وجود مرسي في القاهرة، لم يكن الأميركيون مهتمين بمسار جنيف، بل بإعطاء الفرصة لوصول الإخوان إلى الحكم في دمشق أيضاً. أما بعد سقوط الإخوان في مصر، فسقطت فرصتهم في سوريا واضطرت واشنطن إلى العودة السريعة إلى مسار جنيف. حتى أنها قررت العودة بمن حضر، وكيفما كان. في خلال وقت قصير، يؤكد المعارض السوري، طلب فورد من الائتلاف السوري المعارض تشكيل وفده والحضور إلى سويسرا، ولو بأكثرية صوت واحد من أعضاء مجموعته الـ 58. اتصل بنا الجربا يومها عارضاً إصدار بيان يرفض المشاركة بهذه الطريقة. وافقنا فوراً. لكنه ذهب ولم يعد ولم يصدر البيان. وفي المقابل بدا وفد النظام مشكلاً بالطريقة نفسها. لم يسع الأميركيون لدى المعارضة لضم أية وجوه حوارية مفاوضة. كذلك لم يسع الروس لدى النظام لمشاركة حواريين من قبله. فصار لقاء جنيف الثاني كوكتيل مولوتوف معداً للانفجار. وهذا ما حصل.
أي حدث قد يكون قادراً الآن على إحياء «جنيف 3» في الحسابات الأميركية؟ سقوط أي وهم عسكري جديد؟ أو سقوط من على غرار مرسي؟ وهل تكون المحطة الثالثة ثابتة لجدية في المقاربة ومحاولة الحل؟