حدثان مفاجئان
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ١٠ أكتوبر ٢٠٢٣
دوّنا يومين تاريخيين بينهما خمسون عاماً، فها هو العربي الفلسطيني يقاوم بالعلوم القديمة ويتفوق بها على الحداثة المبهرة التي جيرها لمهامه الموكلة إليه من عمق التاريخ، والسؤال البدهي لماذا الشعب العربي يدعم مقاومته التي تمثل رأس حربة له، وهو مستعد إلى أقصى مدى لدعمه وليكون إلى جانبه بعيداً عن حكوماته التي تريد، أو لا تريد دعمه، وهنا أيضاً أضيف سؤالاً: أرض فلسطين هل هي ملكه وملك آبائه وأجداده وتاريخه أم هي ملك الآخر، وهو الذي يصر بإرادة الاستيلاء عليها واغتصاب ملكية الآخر، إنه الإسرائيلي، فهل هو حقاً من أبناء يعقوب النبي "إسرائيل" أم أنه هجين زُرع في رأسه أن هذه الأرض أرضه، من يمتلك الحق الطبيعي لهذه الأرض بعيداً عن كل ما ورد في الكتب المقدسة التي انحازت إلى إسرائيل "يعقوب النبي" حفيد إبراهيم النبي، وأدع لكم التفكير، ومعه التسليم الديني إن شئتم، أو البحث العلمي الذي يناقض كل ذلك، مؤكد أنني أتحدث عن العربي الفلسطيني ولماذا يولد مقاوماً، ولماذا انضم له الشعب العربي عامة، وبشكل خاص السوري واللبناني والأردني والمصري، وناصره الجزائري والتونسي والعراقي و الإيراني والروسي والصيني والعديد من الشعوب الساعية للتحرر، أليس لشعوره وشعورهم بالظلم الواقع عليه، ومشاهداتهم محاولات قهره بالقوة المفرطة والحقد الأعمى والاعتداء بفائض القوة، وهذا ما كان ليكون لولا دعمه وزرعه مسبقاً في هذه المنطقة، طبعاً من قبل الأمريكي وقبله الأوروبي، من خلال وعد بلفور عام 1917 وتحويله إلى واقع، دققوا لماذا تم ذلك في هذا الإقليم بالذات، أي الشرق الأوسط، الذي يعتبر هاماً للعالم أجمع، والجواب هو من أجل تنفيذ أجنداته، أولاً وأخيراً، التي تستهدف ،بشكل خاص، تعميم التخلف وزيادة التجهيل ومنع أي تقدم علمي منتج، لعلمه بما تمتلكه هذه الجغرافية من مواد أولية وطاقات.
وبتأمل نجد أن العربي الفلسطيني امتلك معادلتي المقاومة التقليدية والمقاومة التكنولوجية وأحدث ما توصل إليه العلم، مع دعم استراتيجي من المقاومة الحاضنة له في (سورية، لبنان، إيران، العراق، اليمن) ليتفوق فكرياً وعلمياً على كل تطور، رغم ما يعانيه من ظلم عالمي يشارك فيه، وللأسف، بعضٌ من الدول العربية والأورو أمريكية طبعاً، وأقصد هنا القيادات لا الشعوب، لأن شعوب هذه الدول تمتلك ذات مشاعر المقاومة.
في تاريخ الأمة العربية الحديث يومان سيئان، يوم قيامة إسرائيل عام 1948 ويوم النكسة عام1967، وتتعادل الكفة اليوم بيومين جيدين دخلا ذاكرة الأمة العربية: يوم السادس من تشرين عام 1973، "حرب تشرين التحريرية" المفاجأة الكبرى للعدو الإسرائيلي، ويوم السابع من تشرين عام 2023، "طوفان الأقصى" وهي المفاجأة الثانية، اللذين تحقق فيهما حضور الذكاء العربي تخطيطاً وتنفيذاً وتعاملاً مع أحدث الوسائط التكنولوجية العسكرية ونظم التواصل والتخابر والمرور من بين الرادارات والأقمار الصناعية والتواصل الفضائي، ولا أستثني الأيام المشرقة في تاريخ الأمة الحديث، كيوم تحرير الجنوب اللبناني عام 2000 وحرب تموز عام 2006، بإدارة خالصة من المقاومة اللبنانية السامية، وحرب غزة السابقة، وكيف تعامل الجميع في هذه الأيام مع أحدث الوسائط التكنولوجية العسكرية والمدنية ونظم التواصل والتخابر، مع اعتماد السرية في القرار والتجهيز وساعة الصفر، والتنفيذ الاستراتيجي واختيار اللحظات الحاسمة واستثمارها النوعي، هذان اليومان الذي اعتبرَهما أهم كاتب عمود في صحيفة (يديعوت أحرونوت) الكاتب ناحوم بارنيا عندما كان يتحاور مع الكاتب توماس فريدمان في نيويورك تايمز حيث قال له أنهما أسوأ يومين في تاريخ حروب إسرائيل، وكلاهما وقع في كيبور "أكتوبر" وحمّل فيهما قيادات إسرائيل الأخطاء الفادحة، وإن مجرد التفكير في هذا يرى الجميع أنه ليس من السهل إدارة كل ذلك تحت ضغط هذه الظروف التي تحاول إسرائيل، ومعها الأمريكي والأوروبي، من أجل الاستمرار في بقائها، خلق الفوضى في المنطقة وتعزيزها، فكلما صعّدت الفوضى سادت وعربدت، وهذا ما لن يسمح به مشروع المقاومة الواسع والعريض، والذي بسبب وجوده يتم تحويل كل هذه الفوضى إلى داخل الغرب الأورو أمريكي، وبشكل خاص إلى داخل ما يسمى "إسرائيل النبي" الذي لو عاد مع جده إبراهيم لتبرؤوا من كل ما نُسب إليهم من نظرية شعب الله المختار والأرض الموعودة، وحتى من اسميهما اللذين يتلاعب بهما الصهيوأمريكي عبر الاتفاقات الإبراهيمية والتطبيع مع العرب في المنطقة، وعندما يريا ما يفعله شعب موسى النبي الذي خرج عن كل أعراف الأخلاق والإنسانية وتحول إلى أدوات إجرام في كليته، وهذا بفضل الأمريكي الذي أرسل بوارجه إلى شرق البحر الأبيض المتوسط ليظهر بذلك مع الأوروبي الداعم الرئيس لهذا الكيان الغاصب، والذي يهدد الآن أي دولة مع محور المقاومة، تحاول مساندة المقاومة الفلسطينية في غزة، بالتدمير الشامل، فهل تستجيب الدول لهذا التهديد؟ والغاية، أولاً وأخيراً، منع أي مفاجأة قد تحصل بعد الآن، والإبقاء على الوجود الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
د. نبيل طعمة