حرب ضد الأمل
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٢
التحدث بواقعية يمنح الجميع فرص طرح ما يراد الوصول إليه، ولكن أتوقف لأسأل: هل كل ما يصدّره إلينا عالم الشمال والغرب منه بشكل خاص مقدساً، ليتم التسليم به عبر منتجات أفكار فلسفية أو سياسية أو اقتصادية أو روايات بوليسية وأفلام هوليوودية، أو قصص اجتماعية تحمل نصائح أو توجهات خفية وظاهرة؟ وهل ما زلنا نستسلم إلى الاعتقاد، ونصدق بأن الغرب يسبقنا بعقود في مجالات العلوم والتطور الاجتماعي والاقتصادي، وأن علينا البقاء مهرولين ولاهثين خلفه، لأن شعوبه عملية وجدية في تحضرها، واستوعبت الحداثة التي أوجدتها مبكراً؟ لذلك يراها سوادنا على أنها أفضل ومجربة، وما يردنا منها يعتبر حقائق مؤكدة، لذلك نجد أنفسنا مضطربةً، وأحلامنا مرتبطة بهم، كيف يُحدث هذا استقراراً لديهم ومعارك مستمرة وعلى الصعد كافة لدى مجتمعاتنا؟
مؤكد أنهم متقدمون علمياً، وأدواتهم نستخدمها وتفيدنا، ويجتهد الكثرة الفاعلة على تقليدهم، كل ما يردنا لدينا سؤال أجد أنه أكثر من مهم: هل بإمكاننا إبداع المختلف والأفضل وتقديم تطور مماثل؟ وسؤال آخر: كيف تشكلت لديهم الهويات الوطنية، ونحن مازلنا نبحث عنها وتائهين بين إيديولوجياتهم، كما ذكرت في إحدى مقالاتي بين الأصالة والحداثة، بين القيم الأخلاقية والتبعية الإشكالية ومفهوم الاستفادة من التطور؟ فهل نحن مجتمعات تحيا على الخيال والانتظار، تتعجب وتعتبر ما تنجزه علوم الكيمياء سحراً، وتدهش مما يقدمه الآخر؟ أم إننا لم ندرك بعد أسس بناء الدولة القومية والوطنية وبناء الأمة، رغم انتشار نظرية التعليم للجميع، إلا أن مسائل التعصب القبلي والتشدد الديني وتمسكنا بالتقليد والكثير من التقاليد التي تجاوزها الزمن وانفراط عقد الصيغة الذهنية حول دور الثقافة الوطنية في توحيد الأفكار رغم انتماء أفراد المجتمع إلى أديان ولغات متعددة، وتحدثهم بلغة الأمة العربية، فإن هذا كله يشير إلى أن كل الطرق التي شقت إلى الوحدة لم تستطع أن توحد الاشقاء، فكيف بالأصدقاء، لماذا؟ لأنها تؤمن بالحروب، والحروب أفكار مسبقة تصنعها السياسة، ثم ترمي بها، فيحدث ما لم يكن في الحسبان.
العيش بالأمل لا يكفي، ولا ينجح إلا مع العمل المنتج والخلاق، لأن الأمل يأتي معه وبعده، ويكون إلى جانبه، لأنه يختص بالغفران بغاية الدخول يوماً ما لمملكة الكلي الخالدة حسب نظرية الخلود، التي يبقى فيها إلى الأبد إلى جانب الراحة، ومعه تحدث المعجزات لكل من يؤمن بنوعية هذا الأمل الذي يجد به حتى المريض شفاء لذاته، والعاشق الجائر بلسماً لقلبه، والعذراء العانس زوجاً لخريفها، والمرأة العاقر طفلاً لأمومتها، والباحث الجاد يصل للمراد، والمبدع المجد يرى الآخرين إبداعه، فإذا حدث التعلق بهذا النوع من الأمل، فقد يغدو إنسانه على الأرض ذكراً كان أم أنثى، ملاكاً أم قديساً في السماء أو حقيقة خالدة على الأرض.
سجل الحياة كبير، لأننا ندوّن عن بعضنا الأخطاء، لكن سجل الحقيقة أكبر، والأكبر منه سجل السماء، وإذا كان كل شيء مصيره الفناء، وليس لشيء قيمته بعده سوى العمل الذي لا يفنى، ومن خلاله ندرك أن الأمل يجب أن يرافقه، لأنه يمحو الصورة السيئة التي ترسمها الضغائن، ليدخلها الحب إلى مصافّ الجمال، إن وصلت إلى المغفرة.
تخيلوا أن شخصاً يدفعه النصر إلى المجازفة، والاستهزاء إلى الإيمان بالشعوذة، وحواسه الملتهبة الثائرة لا تعرف التعب ولا الملل، وأينما حلّ رافقته الفضائح، لكنه في لحظة ما يستفيق، فيلجأ إلى الأمل وطلب الغفران، إنه أولاً ممن أساء إليهم، وثانياً عندما يلجأ إلى السماء، حيث تكون الاستجابة نتاج الصدق.
الحياة حافلة بالآمال، ومخلوقة بأفراحه المنطلقة كأفراح براءة الأطفال، وممتلئة بأنباء الضغائن والحروب والخصام وأساليبه، يتلوها دائماً الجلوس إلى طاولات التفاوض لإحلال السلام، ومعه يحدث العفو والغفران، خلق الإنسان كي يفكر تفكير الواثق بنفسه، بإخلاصه، الواثق بحبه وبشرف انتمائه لعهود قطعها على نفسه، وبها لا يرتاب في شجاعته، وقيامته تكون نتاج عهد بالوفاء، فإذا كان لا مفرّ من الانتظار، بعد أن ينفذ ويمارس كل ذلك، فليكن من أجل الأمل، هذا الإنسان الذي لا ينبغي أن يسلم بأن هناك شيئاً مستحيلاً، رغم أن الحياة تملك حيزاً من اليأس والقنوط، لأن المستحيل إن توافرت له الظروف يغدو ممكناً، والممكن يتحول إلى حقيقة.
الأمل وحده لا يكفي، فهو يحتاج للأفكار المحدثة للتطور، وما يشهده واقعنا الحالي هو التمسك بالأمل، حيث العمل يدور في الفراغ، لأن الأفكار في حالة صوم مديد باتجاه تطوير البنى الاجتماعية والاقتصادية، ونجحت إلى حدّ ما باتجاه السيطرة على الاقتصاديات، وفرضت بهدوء تكنولوجيا الرقميات التي تختزل العمالة وعموم الشعوب هذه التي تتعلق بالآمال.
د. نبيل طعمة