حسني الزعيم (تفاصيل – خفايا – آراء)

حسني الزعيم (تفاصيل – خفايا – آراء)

ثقافة

الجمعة، ٢٠ يوليو ٢٠١٢

من صباح يوم 30 آذار 1949م، إلى يوم 14 آب 1949، خلال هذه الأيام التي بلغت 137 يوماً، حفلت سورية على الصعد كافة بتطورات خطيرة، غريبة، وقيل استمرت ذيول هذه التطورات إلى سنوات عديدة، وقيل بل إلى أيامنا هذه، خلال 137 يوماً صدرت عشرات العشرات من المراسيم والقوانين، وحفلت بالعديد من التصرفات النادرة والمضحكة في آن واحد.. إنها أيام الزعيم حسني الزعيم، مخترع الانقلابات العسكرية السورية، والرئيس الخامس لسورية.
حين قام الزعيم بانقلابه استقبله الشعب السوري بالترحيب والمظاهرات بل اعتبروه بطلاً وطنياً وقومياً حتى بعض الصحف وصفته (كصلاح الدين الأيوبي) ومنقذ سورية، وحين انتهى عهده واغتيل، اعتبروه خائناً وديكتاتوراً... الشعب السوري شعب صعب، ألم يقل الرئيس شكري القوتلي حين سلّم البلاد للرئيس جمال عبد الناصر، أسلمك ثلاثة ملايين ونصف مليون سوري نصفهم أنبياء, والنصف الآخر زعماء"، ويروى أيضاً أن هنري دي جوفنيل، المفوَّض السامي السابق في سورية في العام 1926؛ قال لوزير تركي سابق، حين كانت سورية ما تزال تشكِّل جزءًا من الإمبراطورية العثمانية: بالله عليك، احتفظوا بها لكم (أي سورية) واحتفظوا خاصة بدمشق! فإن هذه المدينة هي واحدة من تلك المدن المسمومة التي تقضي على الإمبراطوريات!
وأيضا يروي الصحافي والكاتب الفرنسي جوزيف كيسِّل الذي جاء إلى سورية في مهمة للاطلاع على مجرى الأمور بخصوص إخماد الثورة السورية الكبرى في العام 1925-1926، قال: "من الواضح بأن جميع الأنظمة السياسية لا نفع لها هنا، حيث إنه ليس هناك بين البلدان ما هو بالطبيعة أكثر تعقيدًا وأكثر صعوبة وأكثر ثورة من هذا البلد: سورية."
وتبقى سورية الرقم الصعب العصية على كل من يريد بها السوء، وتبقى سيرة حياة حسني الزعيم، يكتنفها الغموض وخاصة السنوات الأخيرة من حياته وقبل إعدامه، أسرار دارت في ثنايا الغرف المغلقة في مقر الرئاسة وفي مكاتب الأركان العامة للجيش وفي كواليس السفارات! كان هو بطلها أو محورها الرئيسي، أميط اللثام عن العديد منها، عمّا خفي من أحداث ووقائع عصفت بسورية والمنطقة العربية آنذاك.. وبقي الكثير في طيات الذاكرة وفي ثنايا النسيان، صدر العديد من الكتب التي تناولت سيرة حياة الزعيم، ومع ذلك لا زال المجال خصباً للحديث عن شخصية عسكرية سياسية سورية فتحت باب الانقلابات العسكرية على مصراعيه... كان الزعيم لغزاً، وسيبقى لغزاً..
حاولنا في حديثنا عن قائد أول انقلاب عسكري في بلاد الشام أن نميط اللثام عن سيرة حياته وحياة زوجته والحوادث والخفايا التي رافقت الانقلاب، والدول والجهات التي وقفت مع أو ضد حسني الزعيم، وفق الإمكانيات التي أتيحت لنا، وسعينا من خلال ذلك المساهمة في إلقاء الضوء على سيرة أول ضابط مغامر، وضع سورية على درب الانقلابات العسكرية.
الزعيم:
هو حسني ابن الشيخ رضا بن محمد بن يوسف الزعيم.. رائد الانقلابات العسكرية في عالمنا العربي ولد في حلب عام 1897م، كان والده مفتياً في الجيش العثماني، استشهد في هجوم على قناة السويس في الحرب العالمية الأولى سنة 1915، وله شقيقان: الأول الشيخ صلاح والثاني بشير. درس حسني الزعيم في المدرسة الحربية بالأستانة، وقبل أن يُتم دراسته جُعل من ضباط الجيش العثماني، اعتقله البريطانيون في الحرب العالمية الأولى ثم تطوع في الجيش الفيصلي الذي دخل دمشق وحارب العثمانيين، وفي عهد الانتداب الفرنسي تطوع في الجيش الفرنسي، وتابع علومه العسكرية في باريس. بعد وصول قوات فيشي إلى سورية انقلب على الديغوليين، وحارب ضدهم، وفي عام 1941 اعتقله الديغوليون، وأُرسل إلى سجن الرمل في بيروت حتى 17 آب 1943، حيث أُفرج عنه، وسُرّح من الجيش عام 1945 وهو برتبة عقيد، فظل يتردد على السياسيين وأعضاء مجلس النواب، وأصحاب الكلمة المسموعة، يتوسط لإعادته إلى الجيش، فتعرف على رئيس تحرير صحيفة (ألف باء) آنذاك الصحفي والسياسي نذير فنصة، الذي قيل إنه توسط له وأعاده إلى الجيش، وصدر أمر إعادته من رئيس الجمهورية آنذاك شكري القوتلي، فعين رئيساً للمحكمة العسكرية في دير الزور، ثم انتقل إلى دمشق مديراً لقوى الأمن. وفي أيلول 1948 أصدر رئيس الجمهورية القوتلي مرسوماً بتعيينه قائداً للجيش بعد ترفعيه إلى رتبة زعيم.
الانقلاب:
تشعبت الروايات، وحيكت القصص الكثيرة حول انقلاب حسني الزعيم، عن دوافع الانقلاب، الجهات التي وقفت خلف الزعيم، من مول، ما هي الأهداف، تعددت الروايات وكل يروي حسب معرفته ورأيه!؟
استيقظ أهالي سورية صباح يوم 30 آذار عام 1949، على صوت إذاعة دمشق يعلن البلاغ رقم (1) الصادر عن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة: (مدفوعين بغيرتنا الوطنية، ومتألمين لمَا آل إليه وضع البلد من جراء افتراءات وتعسف من يدّعون أنهم حكامنا المخلصون، لجأنا مضطرين إلى تسلم زمام الحكم مؤقتاً في البلاد التي نحرص على المحافظة على استقلالها كل الحرص. وسنقوم بكل ما يترتب علينا نحو وطننا العزيز، غير طامحين إلى استلام الحكم، بل القصد من عملنا هو تهيئة حكم ديمقراطي صحيح، يحل محل الحكم الحالي المزيّف.
وإننا لنرجو من الشعب الكريم أن يلجأ إلى الهدوء والسكينة، مقدماً لنا كل المعونة والمساعدة، للسماح لنا بإتمام مهمتنا التحريرية، وإن كل محاولة تخلّ بالأمن، ويمكن أن تظهر من بعض العناصر الهدامة الاستعمارية، تُقمع فوراً دون شفقة أو رحمة.).
وتلا هذا البلاغ أكرم الحوراني لأنه كان له دور هام في التخطيط للانقلاب بحكم صلاته وصداقاته مع عدد من الضباط، لذا فقد حضر منذ اللحظة الأولى مع زعيم الانقلاب، وقام شخصياً بإعداد البيانات للإذاعة، وقرأ البيان الأول بنفسه.
في صباح نفس اليوم (30 آذار) صدرت ثلاثة بلاغات أخرى عن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، تتضمن، التحذير من حمل السلاح وعقوبته الإعدام الفوري! ومنع التجول، والتحذير من رفع أسعار الخبز.
لم يعتد السوريين على مثل هذا الأمر وهذه البلاغات، ولكنهم استقبلوا حسني الزعيم كمنقذ للبلاد! والزعيم الوطني والقومي، وقامت الدنيا عن بكرة أبيها تستقبل انقلاب الزعيم!؟ وتقيم الأفراح وتعقد الاجتماعات التي تلقى بها كلمات التأييد والمدح، وأشعار الغزل بقائد الانقلاب العسكري:
( بشخصك ساد العرب وافتخر القطر، فقدرك فينا لا يعادله قدر، بلغت مقاماً دونه الشمس رفعة، ومنزلة عن مثلها قصر البدر- الياس طربيه مخاطباً الزعيم – 1949 م) ومنذ تلك اللحظة وأهل سورية يستمعون للبلاغات الانقلابية من إذاعة دمشق!!!
 في صباح الثلاثين من آذار 1949، استيقظت دمشق لتجد نفسها وسط انقلاب لم يخطر على بالها، وأصبحت ترزح تحت الأحكام العرفية، فقد انتشرت المدرعات والمفارز العسكرية في كل زاوية وشارع، بعد أن قام الزعيم حسني الزعيم القائد العام للقوات المسلحة ومعه مجموعة من ضباط الجيش العربي السوري بانقلاب عسكري، وسيطرت الوحدات العسكرية الموالية على المواقع الرئيسة في العاصمة دمشق، وتم اعتقال الرئيس شكري القوتلي رئيس الجمهورية والسيد خالد العظم رئيس الوزراء وعدد من رجال الحكومة وبعض الضباط الموالين لها. ووضع الزعيم حداً للحكم الديمقراطي النيابي الذي استمر منذ بداية الاستقلال، ودخلت سورية مرحلة جديدة من الحكم العسكري المباشر.
 يروى، أن رئيس الأركان العامة حسني الزعيم حضر إلى السراي (مبنى وزارة الداخلية الآن وكان مقراً للحكومة السورية) لمقابلة رئيس مجلس الوزراء، وكان حينها خالد العظم، وبقي ينتظر في مكتب رئيس الديوان أكثر من ساعتين حتى "ظفر" بالمقابلة، وسمح له بالدخول! وقيل إنه خرج شاحب الوجه، بادي التأثر. وبعد أيام من تلك المقابلة، قام "الزعيم" بانقلابه واعتقل خالد العظم؟ ورئيس الجمهورية شكري القوتلي وعدد من الوزراء والنواب ورجال السياسة والجيش، لم يُعرف فحوى الحديث الذي دار بين الشخصين...
يتبع

شمس الدين العجلاني - أثينا 
alajlani.shams@hotmail.com