حسني الزعيم (تفاصيل – خفايا – آراء)..لماذا قام الزعيم بانقلابه العسكري؟!
ثقافة
السبت، ٢٨ يوليو ٢٠١٢
روي الكثير عن أسباب انقلاب الزعيم حسني الزعيم، وإن هنالك بواعث كثيرة لهذا الانقلاب الذي تبعه عدد من الانقلابات العسكرية، التي خلطت الأوراق السياسية السورية على الصعيد الداخلي والخارجي، من الأسباب التي رويت عن الانقلاب كان للتكهنات النصيب الأكبر منها، ومن الأسباب الأخرى ما استند على الوقائع والوثائق، وأسباب ظلت في طي الكتمان في ذاكرة عدد من الشخصيات القريبة آنذاك من موقع الحدث، رحل منهم من رحل والباقي ينتظر قضاء الله، وسيذهب معهم جزء كبير من الحقيقة. ومن الأسباب التي رويت عن أسباب الانقلاب العسكري :
أسباب الانقلاب:
- قيل إن عقلية المغامرة والطموح لدى حسني الزعيم، دفعاه لاستغلال الوضع القائم في الجيش السوري ونقمته على السلطتين التنفيذية والتشريعية، بسبب الحملة العنيفة التي شنها عدد من نواب البرلمان السوري وعلى رأسهم النائب فيصل العسلي، على عدد من ضباط الجيش بمن فيهم رئيس الأركان العامة للجيش، وهذا ما جعل الضباط يتقدمون بمذكرة احتجاج إلى رئيس الجمهورية شكري القوتلي، حملها الضابط بهيج الكلاس، وقيل إن هذه المذكرة لم تلق أذناً صاغية لدى القوتلي، وهذا مما دفع الزعيم لعقد اجتماع مع كبار ضباط الجيش يحثهم فيه على القيام بانقلاب عسكري واستلام السلطة.
- و قيل إن البلاد السورية كانت في حالة هيجان ونقمة على السلطة لما آلت إلية الأمور عقب حرب عام 1948، ومأساة فلسطين، وكانت توجه الاتهامات لعدد من الشخصيات السياسية متهمة إياها بالتقاعس في الدفاع والحفاظ على فلسطين.
- "باترك سيل" في كتابه "الصراع على سورية" يذكر أن أهم الأسباب في هذا الانقلاب هو قضية السمن الفاسد الذي كان يزود به الجيش السوري، فحين قام الرئيس القوتلي بزيارة إحدى القطعات العسكرية وأماكن التموين فيها، شعر برائحة كريهة تنبعث من المطبخ، وحين استفهم عن الأمر تبيّن له أنها رائحة السمن المستعمل في الطبخ، وأرسلت عينات منه للفحص في المخبر فتبيّن إنه سمن غير صحي، فأمر الرئيس القوتلي باعتقال مدير تموين الجيش وتقديمه للمحاكمة، ومدير التموين آنذاك هو العميد انطون بستاني، صديق قديم لحسني الزعيم وهو من عيّنه مديراً للتموين، والزعيم لم ينفذ أمر الرئيس القوتلي باعتقال "البستاني" إنما وضعه في وزارة الدفاع بدلاً من السجن وحين علم بذلك القوتلي انزعج وأمر بنقله فوراً إلى سجن المزة وفتح التحقيق في قضية السمن الفاسد.
وهنا يروى إنه بعد نقل "البستاني لسجن المزة" شعر أنه في ورطة كبيرة وأنه سيخضع للمحاكمة، فأرسل يعلم حسني الزعيم بأنه فيما إذا قدم إلى المحاكمة فإنه سيتكلم عن كل شيء؟ وهنا خشي حسني الزعيم من أن يفضح أمر الفساد في المؤسسة العسكرية، فأسرع وقام بانقلابه العسكري.
لو أردنا القراءة أكثر في كتاب "باترك سيل" عن قائد الانقلاب العسكري "حسني الزعيم" لقرأنا، أن " حسني الزعيم " سجن عشرة سنوات مع الأشغال الشاقة عام 1942 بتهمة اختلاس مبلغ 300 ألف ليرة سورية، ولكن الرئيس القوتلي أطلق سراحه بعد فترة وجيزة، والزعيم حين قام بانقلابه أول ما قام به هو اعتقال القوتلي!.
- يذكر اللواء الجوي راشد كيلاني في مذكراته أسباباً أخرى لانقلاب حسني الزعيم، كقيام النائب في مجلس النواب فيصل العسلي بالهجوم على الجيش وتعرضه لرئيس الأركان حسني الزعيم، واتهامه بالخيانة العظمى لتعاونه مع الملك عبد الله لضم سورية إلى الأردن وتنفيذ مشروع سورية الكبرى، إضافة لفضيحة الأسلحة الفاسدة في الجيش التي جاءت عن طريق سماسرة، والتلاعب بتموين الجيش وأغذيته وقد تجلت في حكاية (السمن المغشوش) وافتضاح أسماء عدد من الضباط المتورطين بذلك.
فتش عن النفط والغاز:
نتساءل هل دفع حسني الزعيم ثمناً للدول الكبرى لاعترافها به؟ أم الدول الكبرى وضعته على الكرسي وطلبت الثمن؟ والثمن كان اتفاقيات تخولها إقامة نفوذ ومصالح لها في سورية؟
سبق وذكرنا أن هنالك قراءات وروايات كثيرة ذكرت عن أسباب انقلاب الزعيم حسني الزعيم، تراوحت القراءات في تفسير أسباب الانقلاب بين الصراع على النفط "شركة التابلاين الأمريكية" وبين نزعة فردية أتاتوركية تمتع بها مغامر طائش، والمهم الآن الحديث عن هذا السبب أو الدافع لانقلاب الزعيم، ألا وهو الصراع على النفط، ورد هذا الدافع في العديد من الوثائق والمذكرات لرجالات سورية، فهل كان الصراع على سورية آنذاك صراع شركات نفطية أميركية – بريطانية؟
في نهاية الحرب العالمية الثانية 1945، تقرر إعادة إعمار أوروبا الغربية من جراء ما لحق بها من تدمير كبير خلال الحرب العالمية بين الحلفاء ودول المحور وكان هذا الإعمار الضخم لأوروبا يحتاج إلى سوق كبير للنفط ولتسويق النفط المكتشف حديثاً، فقررت شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) صاحبة الامتياز بالتنقيب والتسويق للنفط السعودي، نقل النفط السعودي إلى مياه البحر الأبيض المتوسط لسهولة نقله مباشرة إلى أوروبا، ولهذه الغاية تم إنشاء شركة تقوم بنقل النفط من شرق السعودية إلى مياه المتوسط ولسبب مرور خط الأنابيب بأكثر من بلد عربي سُميت تلك الشركة (شركة الأنابيب عبر البلاد العربية- Trans-Arabian Pipeline Company) واختصارا بمسمى "التابلاين " TAPLINE – وهذه الشركة هي اتحاد بين أربع شركات من أغنى شركات العالم آنذاك: "ستاندارد أويل كومباني أوف كاليفورنيا – ستاندارد أويل أوف نيوجرسي – سوكوني فاكوم أويل كومباني – تكساس كومباني"، كان خط الأنابيب هذا سيمر عبر الأراضي السورية إلى لبنان "ميناء صيدا". تقدمت الشركة المذكورة بمشروع اتفاقية إلى الحكومة السورية، ضمن شروط مجحفة وامتيازات وصلاحيات كبيرة للشركة، وسعت الجهات المختصة السعودية – الأميركية لتوقيع هذه الاتفاقية من قبل الحكومة السورية، أحيلت الاتفاقية إلى البرلمان السوري، والذي رفض بدوره تمرير مثل هذه الاتفاقية وفشلت كل الضغوط لشركة نفط – التابلاين – الأمريكية السعودية لتمرير الاتفاقية. كما كانت أيضاً حكومة جميل مردم ترفض باستمرار التوقيع على اتفاقيتي «أرامكو» و«التابلاين» للنفط.
أخذت الصحافة تلعب دورها في قضية صراع النفط، بين مؤيد ومعارض، بين "مدفوع" وبين وطني صادق.. وإذا استعرضنا بعض عناوين الصحف خلال شهر كانون الثاني من عام 1949 نجد فيها: 550 مليون دولار تخصص لمشاريع البترول في الشرق الأوسط، شركتان للنفط تطلبان مطارين في سورية، اتفاق سورية ولبنان حول التابلاين، اجتماع في شتورا لبحث قضية التابلاين، وصول ممثل الخارجية السعودية إلى دمشق بشأن التابلاين، هل تكون سورية بمنجاة من الغزاة إذا رفضت اتفاقية التابلاين؟ النفط يغطي العملة السورية... التابلاين تعتذر فيه عن توظيف العدد الكبير من السوريين لأن الحكومة لم توقع بعد الاتفاقية.
خلال شهر آذار 1949 بلغت الحملة أوجها وأصبحت الصحف والمجلات تضغط على المجلس النيابي للبت العاجل باتفاقيات النفط. قيل إن السفير الأميركي زار رئيس الجمهورية شكري القوتلي وطلب منه الإسراع بالتصديق على اتفاقية " شركة التابلاين" الأميركية، فأجابه الرئيس، بأن ذلك من صلاحيات المجلس النيابي، وإنه رئيس دستوري لا يتدخل بشؤون السلطة التشريعية، فخرج السفير غاضباً، وقال لأمين عام القصر الجمهوري الذي خرج يودعه إلى الباب الخارجي، قل للرئيس.. إذا لم تصدق الاتفاقية، خلال خمسة عشر يوماً، فسيأتي رئيس غيره.. ليعمل على تصديقها" !! "مذكرات عبد اللطيف اليونس"
تربع حسني الزعيم على كرسي الرئاسة السورية، وحينها طلب منه دفع ضريبة استلامه السلطة، فطلب الزعيم من وزير الأشغال العامة والمواصلات آنذاك المحامي فتح الله صقال دراسة هذه الاتفاقية، وفعلاً درس الوزير الاتفاقية وأبدى عليها الملاحظات القانونية والوطنية، وذلك بمذكرة مكتوبة بتاريخ 7 أيار عام 1949 وقال الصقال: (حفظ تقريرنا المتقدم الذكر في ملف الأوراق)، وبتاريخ 30 حزيران سُمح لشركة التابلاين الأمريكية أن تمارس عملها، وأن تنشئ المطارات وسكك الحديد وأن تشتري البضائع وتقيم المنشآت المعفاة من الرسوم والضرائب مقابل حصول سورية على مبلغ 20 ألف إسترليني سنوياً! وقال حسني الزعيم للوزير صقال رداً على مذكرته: "مصلحة سورية تقضي بأن تصدق الحكومة دون تأخير، على هذا الاتفاق، ولاسيما أن المملكتين المصرية والسعودية تصران على إنجاز هذا المشروع".
هنا يجب التأكيد والانتباه جيداً، أن الشركات البترولية الأمريكية والبريطانية كانت متفقة فيما بينها حول استثمار الأراضي السورية والبترول السوري ولذلك "حسب رأي أكرم الحوراني" تركزت الحملة السياسية والإعلامية - بعد كارثة فلسطين - على الدعاية الواسعة للشركات البترولية البريطانية والأميركية بشكل منسق ومنسجم في سورية ولبنان، وكان كبار السياسيين وكلاءً لهذه الشركات: كان نعيم الأنطاكي وكيلاً لها في سورية، وحبيب أبو شهلا في لبنان، كما تم استخدام عدد من رجال السياسة والصحافة في البلدين لمصلحة منح الامتيازات لهذه الشركات.
الآن:
نتساءل ترى هل يعيد التاريخ نفسه، وهذا الصراع القائم الآن في المنطقة العربية هو على المصالح الاقتصادية " الغاز والنفط " كما كان الحال أيام حسني الزعيم في الأربعينات من القرن الماضي؟
هل الصراع الدائر على الأرض العربية الآن هو صراع دولي وعلى المدى البعيد والغاية منه إعادة رسم الصورة الكاملة للمنطقة قائم على تحديد مستقبل الدول العظمى وضمان عدم انهيارها اقتصادياً.. بعض الدراسات الغربية تشير أن أمريكا وأوربا "العجوز" في طريقهما إلى الانهيار الاقتصادي، وهما تسعيان لإعادة رسم خارطة طريق جديدة، تنقذ الغرب من الانهيار على حساب دول الشرق الأوسط؟ ودون أن يغيب عن نظرنا أن الغاز أضحى مادة الطاقة الرئيسة في القرن الحادي والعشرين سواء من حيث البديل الطاقي لتراجع احتياطي النفط عالمياً أو من حيث الطاقة النظيفة. ولهذا، فإن السيطرة على مناطق الاحتياطي (الغازي) في العالم يعتبر بالنسبة للقوى القديمة والحديثة أساس الصراع الدولي في تجلياته الإقليمية. والاقتصاد الأوروبي سيعتمد لعقود قادمة على الغاز بديلاً من النفط أو بالتوازي معه في أحسن الأحوال، وموسكو يمكننا القول إنها تحتكر الغاز إنتاجاً وتسويقاً ونقلاً وعلى نطاق واسع، وهذا مما دفع واشنطن للإسراع إلى وضع المشاريع والخطط لمنافسة المشروع الروسي على قسمة دولية على أساسها سيتعين القرن المقبل سياسياً واستراتيجياً.
وبالتالي السيطرة على القرار السياسي الدولي بلا منازعات كبيرة. ولهذا تحركت الأصابع الخفية وافتعلت ما افتعلت للسيطرة على الطاقة والقرار السياسي.
يتبع
شمس الدين العجلاني - أثينا
alajlani.shams@hotmail.com