د. ناديا الغزي ..ربيع دمشقي يعانق سطوة الحلم والإرث الإنساني..بقلم وسام طيارة
ثقافة
السبت، ٢١ مايو ٢٠١١
تصحو كبلبل يشتف لحناً ويغفو على أرائك الياسمين، تتجول في حواري دمشق، تلتقط أريج عبق أرواح من رحلوا، تنهض كبيرق، تقرع بواباتها الشامخة، لتحاكي أوابدها الحضارية، في حياتها أسرار كثيرة لتلك المدينة التي لاتزال شامخة بمحبة أهلها، الدكتورة والمحامية والكاتبة ناديا الغزي المختصة بقضايا المرأة ابنة مدينة دمشق لايزال شعاع وجدانها يبهر كل يوم جدران الأمكنة وحكايا الأزمنة، بريق ممزوج بصلصال المحبة والوطنية، يوزع سحره بين محطات الحياة، والدها الراحل محمد سعيد الغزي المتنور أول محامٍ في سورية، شغل عدة مناصب وصولاً إلى رئاسة الوزارة، كان واحداً من الرجال الوطنيين الذين سجلوا لسورية الكثير من الألق ولم يأخذ سوى شرف الانتماء إليها، كان بيت الرجل في منطقة الحلبوني ساحة رحبة وملجأً إنسانياً لكل فئات المجتمع، ومنبراً حراً للوطنيين والسياسيين، ولعل ملامح الوعي في تشكيل شخصية أديبتنا الرائعة انبثق من تلك الظلال والفضاءات المؤمنة بالانتماء والمواطنة، بيئة خصبة وهامش واسع من الحرية تمتعت به لتنسج أحلامها وتلون محطات حياتها في مسيرة الزمن، فحافظت بجذوة روحها على إيمائيات وجدان أبيها وبقيت تنثر الحب في كل خطواتها.
ولدت ناديا الغزي عام 1939. وقضت طفولتها بين الحلبوني وبساتين قدسيا، دخلت الكلية العلمية الوطنية في سن الثالثة، وتخرجت منها في الخامسة عشرة. ولعدم توافر الخيارات، فقد دخلت كلية الحقوق وتخرجت من الجامعة عام 1958 وعملت في المحاماة بعد تخرجها مباشرة، لكن هواجسها الجامعة واللامعة جذبتها إلى عالم الإعلام، وكانت أول مُعدة ومقدمة برامج في التلفزيون السوري، فقد سَعت من خلال برامجها المتنوعة لمعالجة قضايا الطفل والمرأة والمجتمع، نشرت أول كتاب لها بعنوان (هديل)، وهو كتاب على لسان طفلة عربية عمرها 10 سنوات اسمها (ليلى العرب) طرحت من خلاله مشاكل تربوية وأخلاقية، وهواجس الوحدة العربية وقضية فلسطين، كما ساهمت في صياغة مشاريع تعديل قوانين الأحوال الشخصية، كخبيرة من قبل الاتحاد النسائي. من مؤلفاتها: شروال برهوم، العبور إلى الشر، حكايا صلصالية لنساء ميتات، من بساتين بلاد الشام، هذيان هرّ مصاب بالاكتئاب، هنّ، قضايا خاصة جداً، حضارة الطعام في بلاد الشام. ولها مخطوطات قيد الطباعة، واليوم لاتزال تلك المبدعة تكتب وتسجل حضوراً واسعاً في الوسط الثقافي والحياة العامة؛ حيث تراها في كل ندوة أو محاضرة، تحلم بعالم يسوده الأمن والسلام وتقول: «أتمنى أن يتوجه جيلنا الشاب نحو عالم مضيء ومشرق، ليشارك في الحضارة الإنسانية، التي لم يملكها شعب، كما ملكناها نحن أبناء بلاد الشام».
لقد قدمت لنا ناديا الغزي سيمفونيات بموسيقى الروح، لم تهزمها السنون، وبقيت إلى يومنا هذا تعزف على إيقاعات الحب، وتزيّن لنا جدائل الياسمين والورد الجوري بعطاءاتها الإبداعية.