“رأسه مشكل من اليوارنيوم المخصب”.. ينطق ويحلم حرباً!.. بقلم: حسين مجدوبي
تحليل وآراء
الخميس، ٦ يونيو ٢٠١٩
يعد مستشار الأمن القومي جون بولتون أحد رواد الفكر الحربي في الولايات المتحدة، ينطق حربا ويفكر حربا ويحلم حربا. ورغم احتلاله منصبا هاما يبقى بدون تأثير حقيقي في القرارات العسكرية بسبب تزامن وجوده في هذا المنصب في ظرف لم تعد واشنطن مستعدة لمزيد من الحروب العسكرية بل الاقتصادية. لكن ما هي رؤية هذا المسؤول للعلاقات الدولية؟ ولماذا يميل إلى الحرب؟
ولم يسبق للبيت الأبيض أن سجل حضور شخصية تبادر بالتصريحات الحربية مثل حالة جون بولتون. والمفارقة العجيبة أنه رغم طابع التسرع الذي يغلب على الرئيس دونالد ترامب إلى مستوى “الاستعراض” والتلويح بالحرب والعقوبات، لكنه لم يصل إلى مستوى بولتون في ترويجه للحروب. ومن ضمن التعليقات الرائعة عن ميله إلى افتعال النزاعات هو ما يصدر من باب التسلية عن خصومه وأصدقائه في الخارجية والبنتاغون “رأس بولتون مشكل من اليوارنيوم المخصب”. ويحاول اقتناص أي حدث عابر في اختلافات واشنطن مع دول أخرى للإيحاء بالحرب. وهنا يثير غضب الرئيس ترامب كما يثير غضب القادة العسكريين الذين يعتبرون التلويح بالحرب ليس تسلية بل يضعف من هيبة الجيش لأنه لا يمكن التهديد ليل نهار دون خوض حرب.
ومن ضمن “المراوغات” التي صدرت عن بولتون، فقد استغل توجه حاملة الطائرات “أبراهام لنكولن” إلى القيام بدورة حول العالم كما هو مبرمج لها منذ أكثر من سنة شأنها شأن باقي حاملات الطائرات، وعندما دخلت إلى البحر المتوسط، ادعى أنها موجهة إلى شن حرب ضد إيران. وانخرط الخبراء والمحللون والصحافة الدولية في الترويج والحديث عن الحرب المرتقبة بينما الأمر لا يتعدى “كذبة فاتح أبريل”، لكن جرت في شهر ايار. بل من المفارقات أن الوجود العسكري الأميركي هو الأضعف خلال العقدين الأخيرين.
يرى بولتون ضرورة سمو الولايات المتحدة على منظمة الأمم المتحدة، ويكون دور الثانية المساندة والدعم ليس المعارضة
ويبقى التساؤل: كيف يفكر بولتون في القضايا الدولية حتى يعمد إلى تغليب الفكر الحربي؟
يعد بولتون من الغيورين الراديكاليين على “عظمة الولايات المتحدة”، يعتبرها أكبر قوة سياسية واقتصادية وعسكرية عرفتها البشرية حتى الوقت الراهن. وعليه يعتقد في ضرورة انفرادها باتخاذ القرار في القضايا الدولية دفاعا عن مصالحها ودفاعا عن رؤيتها للعالم. ويعتقد في ضرورة خوض الحروب لتنفيذ هذه الاستراتيجية، علما أنه من الشباب الأميركي الذي رفض الذهاب للمشاركة في حرب الفيتنام في السبعينيات، أي يروج للحروب ولكن يخوضها آخرون. ويقوم تصوره على ما يلي، وفق كتابه الصادر سنة 2008 “الاستسلام ليس اختيارا” وكتابات سابقة ولاحقة:
– يرى بولتون ضرورة سمو الولايات المتحدة على منظمة الأمم المتحدة، ويقر بضرورة عدم تدخل الأخيرة في القضايا التي تعالجها واشنطن في المسرح الدولي، وإذا حدث وتدخلت يكون دورها المساندة والدعم ليس المعارضة.
– يعتقد في ضرورة استغلال واشنطن لكل نقط ضعف روسيا والصين لمنعهما من التحول إلى قوى عظمى تتحكم في القرار الدولي وتنافسان الولايات المتحدة في هذا الشأن بل وتهددان ريادتها للعالم. ويعد من الداعمين للحرب الاقتصادية على الصين وتحجيم مبيعات روسيا للبترول.
– ضرورة قيام الولايات المتحدة بالقضاء على الأنظمة التي تدور في فلك روسيا والصين وتمس مصالح الولايات المتحدة، ولهذا يؤكد على مبدأ تغيير أنظمة كل من كوبا وفنزويلا عملا بعقيدة مونرو لتبقى واشنطن هي المتحكمة في القارة الأميركية. ويعتبر القضاء على نظام إيران عملية استراتيجية حيوية لمصالح الولايات المتحدة، وهو من الذين يلمحون إلى أن الحرب ضد العراق كانت تهدف إلى محاصرة إيران ومحاربتها أكثر منها القضاء على نظام صدام حسين. ولهذا، كان قد اتهم أجهزة الاستخبارات سنة 2006 بالانقلاب على الرئيس الجمهوري جورج بوش الإبن ومنعه من شن الحرب ضد إيران. ووعيا منه بانتقال وزن العالم تدريجيا إلى المحيط الهادي بسبب وزن الدول عسكريا واقتصاديا، يصر على ضرورة القضاء على نظام كوريا الشمالية لتبقى كل أنظمة المنطقة ليبرالية، مما سيسهل محاصرة الصين مستقبلا.
– يعتقد بولتون في ضرورة إضعاف الاتحاد الأوروبي حتى لا يصبح عملاقا اقتصاديا وعسكريا لأنه لا يملك الإرادة الكافية للدفاع عن مصالح الغرب في مواجهة التطورات الحالية التي تصب في صالح الصين وروسيا. ومن الآليات التي يروج لها ويدعمها هو تأييد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ضمن عملية “البريكسيت”. ويؤكد على هذا الموقف في تصريحه لجريدة ذي تليغراف منذ أربعة أيام بقوله “البريكسيت هو انتصار للديمقراطية”.
رؤية بولتون جيوسياسية لقضايا العالم تنتمي إلى تيار يحاول الانتعاش في الولايات المتحدة ومن أبرز مفكريه بول كاغان الذي سعى في كتابه “عودة التاريخ” إلى تطوير أطروحات صدام الحضارات لصامويل هانتنغتون. لكن مأساة بولتون هو توليه المنصب في وقت لم يعد قادة الجيش الأميركي يحبذون الحرب بصفة نهائية لأنها تنهك المجتمع الأميركي وتعمل على تفكيك أواصره، وفي وقت وصل إلى البيت الأبيض رئيس، دونالد ترامب، يؤمن بالحروب الاقتصادية التي تضعف الخصم والعدو والصديق أكثر من استعمال حاملات الطائرات والمقاتلات، كما يعتقد في استعادة عظمة الولايات المتحدة عبر استعادة الشركات الأميركية المستثمرة في الخارج إلى الداخل الأميركي وعبر الحد من الهجرة اللاتينية ومن العالم الثالث عموما.
بولتون مفكر من مفكري حقبة الأبيض والأسود، الحرب الباردة، الذي جاء في زمان ليس بزمانه.