رحيل عبد الفتاح قلعجي.. المثقف الموسوعي والمسرحي المؤسس والباحث الدؤوب
ثقافة
الاثنين، ١٧ يوليو ٢٠٢٣
نعت وزارة الثقافة ومديرية المسارح والموسيقا والهيئة العربية للمسرح واتحاد الكتاب العرب في سورية الأديب والناقد المسرحي عبد الفتاح قلعجي عن عمر ناهز 85 عاماً بعد صراع مع المرض.
هو المثقف الموسوعي والمسرحي المهيب والباحث الدؤوب والمخلص الرسالي، وهو أحد أهم الكتّاب المسرحيين العرب، وقد كتب الفن التجريبي والرواية وقصص الأطفال وقدّم الكثير من أعماله على المستوى المحلي والعربي والعالمي.
أثرى المسرح العربي بعشرات النصوص المسرحية التي أراد من خلالها أن يقدم نصاً تجريبياً يقرأ الواقع بطريقة فنية فيها من الابتكار والاجتهاد ما يجعل منه أحد أهم كتّاب المسرح السوري والعربي.
اهتم أيضاً بقضايا التصوف الإسلامي وخاصة أصحاب الفكر التنويري، وألّف عدة مسرحيات في شخصيات فلسفية وصوفية إسلامية تنويرية.
من النشأة الأولى
ولد الراحل في حي الكلاسة بحلب يوم الحادي والعشرين من شهر تموز عام 1938، درس الابتدائية في مدرسة «العرفان» ثم انتقل إلى إعدادية «سيف الدولة» ومنها إلى ثانوية «هنانو».
انتسب إلى دار المعلمين في عام 1953 وتخرج فيها عام 1956، ثم تابع دراسته الجامعية في كلية التربية عام 1957 ومدة سنتين على أساس أهلية التعليم، ثم انتسب إلى جامعة دمشق وحصل على الليسانس في اللغة العربية عام 1965.
عمل مدرّساً في ثانويات حلب ومناطقها من عام 1956 حتى عام 1979، نُدب إلى العمل في مكتب الحبوب، وبعدها إلى إذاعة حلب، ثم عاد إلى مديرية التربية وعُيّن مديراً للمكتب الصحفي ثم في مكتبة المديرية، حتى أحيل إلى التقاعد.
عمل في إعداد البرامج في إذاعة حلب، وفي المركز التلفزيوني بها، وتسلم رئاسة فرقة المسرح الشعبي بحلب عامي 1968 – 1969.
هو عضو في كل من اتحاد الكتّاب العرب، وهيئة تحرير مجلة «الحياة المسرحية» وهيئة تحرير مجلة «الشهباء» الحلبية وجمعية «العاديات» بحلب.
محلياً وعربياً
له مؤلفات قصصية للأطفال ودواوين شعرية وأعمال مسرحية ودراسات في الفكر والأدب والفن.
قدّمت أعماله المسرحية في أكثر من مهرجان وبلد عربي كالبحرين وليبيا والمغرب والإمارات وتونس ومصر وغيرها.
شارك في العديد من المحاضرات الثقافية والندوات الأدبية والمؤتمرات الفنية واللجان المسرحية في المهرجانات المحلية والعربية بصفته باحثاً ومحكّماً كالقاهرة والخرطوم والجزائر والإمارات.
جوائز وتكريمات
مُنح الراحل العديد من شهادات التقدير من مؤسسات ثقافية ومهرجانات فنية، فحصل على جائزة الباسل للإبداع الفكري من مجلس مدينة حلب عام 1988.
وفي عام 1999 تم تكريمه ودراسة أعماله المسرحية من جمعية المسرح في اتحاد الكتّاب العرب بالتعاون مع مديرية الثقافة بحلب.
وفي عام 2010 نال الجائزة الأولى للمسرح في الأردن.
وفي عام 2015 منحته وزارة الثقافة جائزة الدولة التقديرية في المسرح والآداب.
وفي عام 2016 أقيمت له ندوة تكريمية عن مجمل أعماله الأدبية والمسرحية، أقامتها مجموعة أحزاب وهيئات إدارية.
كما نال جوائز من مديرية الثقافة ونقابة المعلمين في حلب ومهرجان المسرح العربي في القاهرة والهيئة العربية للمسرح في الشارقة.
أعماله
من أعماله القصصية للأطفال: «لقطة الحبيسة، المفلس، البنيان المرصوص، الجد، صوت في السحاب، ثورة الجائعين، الجرو الضائع، رحلة الأشواق، عروس البحر والصياد، حديقة عامر، هدية من تراب، الاتحاد قوة، زهرة الربيع، طير الحمام ورسالة السلطان، الأعرج النبيل، الحمّال الأعمى، كهف الفقراء، بائع الخضار، الشمس والنسر الغاضب، الفزاعة والقبرة الجريئة، الدمع الأسود».
ومن مسرحياته للأطفال: «عروس قلعة حلب، الأطفال والذئب الزائر، الثوار وشجرة الكرز، عودة الضائع، أوبريت القطن والشمس، علي بابا والأميرة، شمس النهار، ميشو ومارد الغابة، سندباد، الشجرة المسحورة».
ومن دواوينه الشعرية: «مولد النور، القيامة، مسافر إلى أروى، سيدة الحروف».
من أعماله المسرحية: «صرخة في شريان مبتور، أنيس الجليس، الفصل الثالث، طفل زائد عن الحاجة، فانتازيا الجنون، سفر التحولات، صناعة الأعداد، باب الفرج، هبوط تيمورلنك، صعود العاشق، اختفاء وسقوط شهريار، عرس حلبي، حكاية الروزنا، غابة غار، الشاطر حسن، ديك الجن يعود، الملوك يصبون القهوة، 3 صرخات، يوميات فرقة نور العين، مدينة من قش، جثة في المقهى، تشظيات ديك الجن، كفر سلام، هو الذي رأى الطريق، بوح القصب، شيخوخة مبكرة، أوبريت الإسكافي وحوار ديمقراطي جداً، ليلة الحجاج الأخيرة، الفصل الأخير، أحلام الموتى، ليلة عاصفة، البيت يهتز، الغائصون، في انتظار السيد، وادي العقيق، على الرصيف، مذكرات الأبتر، الإنسان والجبل، الجد الأكبر، لا شيء في الحديقة، مقهى الجثث المعلقة، المسافر والطريق».
ومن التراجم والدراسات الفكرية والموسوعية والفنية: «حلب القديمة والحديثة، أحياء حلب وأسواقها، ياقوتة حلب عماد الدين النسيمي، العلامة خير الدين الأسدي، مسرح الريادة، مدخل إلى عالم الجمال الإسلامي، الشاعر أمين الجندي، الموسيقار أحمد الأوبري، أمير الموشحات عمر البطش، الموشحات والأغاني الدينية في حلب، السهروردي مؤسس الحكمة الإشراقية، تأملات حول التفكر في القرآن الكريم، حافظ الشيرازي، العلامة المطهري، سحر المسرح، المسرح الحديث، الخطاب المعرفي وجماليات التشكيل».
وله في مجال الرواية واحدةٌ بعنوان «معراج الطير الحبيس» التي حققت إنجازاً مهماً في عالم الرواية.
له تجربته في الدراما الإذاعية والتلفزيونية كمسلسلات: «جسر البيت، وعرس حلبي، وليلى الأخيلية والصعاليك، وأحلام شهرزاد».
عائلة فقيرة
في إحدى الندوات الحوارية، سئل الأديب الراحل: «مررت بمراحل عديدة فأي مراحل حياتك تعني لك أكثر وتعتبرها مرحلة مفصلية في حياتك؟ فرد قلعجي قائلاً: «في الحقيقة دعني أعد للبداية وأتكلم عن حي الكلاسة الذي نشأت وترعرت فيه، فأنا أريد أن أتحدث عن علاقة الأديب بالمكان، حي الكلاسة هو أقدم حي في سورية على الإطلاق ويعود لعام ٢٨٥٠ قبل الميلاد حسب (رقم ماري)، فأنا بالأصل ابن عائلة فقيرة جداً وأبي كان عامل بناء، لم نكن نملك بيتاً وكنا نتنقل بين بيوت الأقرباء إلى أن امتلكنا قطعة أرض وبناها أبي وأمي في حي الكلاسة».
وأضاف: «أما المدرسة التي كنت أذهب إليها فكانت مدرسة «العرفان» بالمحمص، حيث تبعد عن حي الكلاسة مسافة ساعات وكان عليّ أن أسير وقتاً طويلاً حتى أصل أنا وأخي إليها، وفي كثير من الأحيان كنت أتجمد من البرد لحين الوصول للمدرسة، وكان هناك سور باب قنسرين وأمامه خندق، كنت عندما أمر به أحس بأن التاريخ يكلمني ويقفز من شقوق هذا السور، فمنذ ذلك الوقت دخل التاريخ في أعماقي وظللت ملازماً لقضايا الإنسان الشعبي المقهور مدافعاً عنه منذ بداية حياتي، فالحي الشعبي ومعايشة البسطاء من عمال والإحساس بمعاناتهم هي مرحلة انحفرت في داخلي وفي مساماتي منذ الصغر، فالمكان له دور كبير في صنع الأديب والكاتب إضافة للإحساس والوعي العقلي الذي يجب على الأديب أن ينطلق منه حتى يبدع، فدون إحساس الأديب لا يمكن أن يكون شيئاً.