سطوة الغرب
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ١٠ يناير ٢٠٢٣
تنحصر في اتهام الآخرين وفرض العقوبات وإنشاء الحصار، ما يشير دائماً إلى محاولات الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وأدواتها الرئيسة، الدعاية التي تجند لها كل الوسائل والوسائط والعملاء والمال اللازم، والغاية تصوير كل من يعادي أفكارهم الاستعمارية والاستغلالية بأنهم أشرار ومارقون ومشيطنون، ترسم هذه الأفكار بلغة كاريكاتورية من دون تدعيم أو توثيق أو تحليل تاريخي، يدفع بها لحصر الخلاف في المساحة الأخلاقية، وداخل التكوين السيكولوجي الثقافي لفرد واحد يمثل أسرة أو مجتمعاً أو دولةً، ومهما بلغ حضوره أو شأوه من القوة، وهذا كله يكون بهدف التعمية على كثير من القضايا الجيوسياسية أو الاقتصادية، دققوا فتعلموا كيف تعاملوا مع الرئيس الأسد، مع الرئيس بوتين، ومع الرئيس كيم، وقبل ذلك مع الراحل تشافيز.
صراعات نفوذ بين الأمم والدول العظمى تستخدم فيها البروباغاندا عبر ضخ إعلامي هائل، يعمل تحت مظلة تسمى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، أهمها الآلة الإعلامية الغربية الهائلة القوة والشديدة الوطأة، فإذا سلطت على فرد أو مجتمع أو دولة شيطنته، وإذا حدث الخضوع لها أضفت أفضل سمات المديح، ومثالنا هنا زيلنسكي، الممثل الذي لعب دور الرئيس، ومن ثم غدا رئيساً لأوكرانيا، وكيف فتحوا له منابر العالم أجمع، وحولوه إلى بطل ومقاتل من أجل الحرية ضد اللا حرية.
معلومات مضللة ولغة لا إنسانية، كل هذا ينجح إذا توافرت شراذم وقوى دون الدولة، يستثمرها الغرب، وتكون قادرة على إثارة الفوضى وبث الرعب، اتهامات تفسر العالم، وفي الوقت ذاته تسأل إلى أين يسير؟ وما التوجهات الكبرى التي تحكم مسيرته للعسكرة التي تسبقها الشيطنة؟ كما يحدث الآن بين الكوريتين عبر شيطنة كوريا الشمالية والدفع باليابان لتعزيز قواها العسكرية لمواجهة مستقبلية مع الصين، وستجري شيطنة الصين لاحقاً عن تحركها باتجاه تايون كما نشهد شيطنة ايران تجاه دول الخليج والشرق الأوسط والعالم برمته.
السؤال المهم: هل يمكن شيطنة الحكومة الإسرائيلية أو القادة الإسرائيليين الشديدي التطرف والعنصرية والعدوانية، القادمين من منظمات إرهابية "الهاغانا" و"شتيرن"، أو شيطنة رئيس وزراء بريطانيا أو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
ما معنى الكيل بمكيالين؟ هل هو بند من بنود السياسة الغربية، يرفع هنا ويخفض هناك؟ هل كان هتلر! هتلر لولا أن شيطنه العالم منذ ذلك الوقت وحتى اللحظة، ألا يعملون على تحويل كل من يخالف سياسات الغرب إلى هتلر وبوتين والأسد وكيم جون والسيد الخامنئي؟
إن ما أذكره يجسد سطوة الغرب على مجموع العقل العالمي والعقل العربي بشكل خاص، هتلر الذي تغنت به أوروبا وأمريكا والعالم قبل الحرب العالمية الثانية، نظراً لإنجازاته الاجتماعية والاقتصادية والعلمية وحتى السياسية، لينقلبوا عليه بسرعة فائقة رغم عدم وجود تلك التكنولوجيا الإعلامية "المورس ورسائل الطيور" كما انقلبوا على الرئيس الأسد وعلى بوتين وكيم بعد هذا المستمر بقوة عقل الشر الغربي، الذي لا يسمح للعقول الوطنية المؤمنة بالحفاظ على قيمها وتطوير قواها بالبناء الإيجابي، ولا للصدور أن تتنفس الحياة، ولا امتلاك الحق للدول بالوصول لتحقيق أهدافها، لذلك يصعب القول: إن هناك نهاية قريبة للفوضى التي أطلقت عليها أمريكا "الخلاقة"، والتي بدأت مع بداية الألفية الثالثة، ويمر بها العالم من دون استثناء، والسبب الدائم استمرار الصراع على الهيمنة وابتزاز الدول ونهب ثروات الشعوب، ويرى كل ذلك القاصي والداني، تارة بالإرهاب المباشر وغير المباشر، وأخرى بالحروب الضاغطة أو بسياسات العصا والجزرة، فما أن تأكل الشعوب المستضعفة الجزرة حتى تنهال عليها العصا لتفعل فعلها.
إن الاكتفاء بإدانة الآخرين وإطلاق مسميات كمحور الشر، واتهام القادة بالفاشية والإجرام ما هو إلا تسطيح غربي مبرمج ومقصود وخبيث، أضعه في خانة الدعاية والإعلام السياسي وتصوير هذه الشعوب وقادتهم بالأشرار، هل يدرك العالم بما فيه شعوب الغرب كيف تديرهم قياداته وتدير العالم معهم، هذا غيض من فيض سطوة الغرب التي يمارسها على كامل الشعوب التي تبحث عن بناء ذاتها وتتمسك بالحياة.
د. نبيل طعمة