سياسة الدولة
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ١٤ فبراير ٢٠٢٣
تتأكد من خلال ما جرى عبر عقدين من الزمن، على العكس تماماً مما يشاع أو ينظر إليه المغردون خارج السرب أو الحالمون بالتقليد الغربي أو الشرقي، وهنا أشير إلى أن سورية تمتلك سياسة دولة حقيقية واقعية ومنطقية، لا دور فيها لسياسة أفراد، بل لرأي موحد، مع الإقرار بأن دور الرئيس فيها بالغ الأهمية ومشدّد عليه، لكونه رأس السلطة، حاله حال رؤساء دول العالم، ومعه فإن مؤسسات الدولة مسؤولة عن وضع الاستراتيجيات وتنفيذها بالشكل المفيد، وإنها تمتلك من الأدوات ما يمكنها في الأداء، ويجعلها تضع مصالح الدولة ومواطنيها فوق كل شيء، ومع هذه يكون لها الحق في ضبط الأوضاع الداخلية عند حدوث أي خلل، وتأمين مستلزماتها من خلال أداء سلطاتها وتقييمها على درجات.
صحيح أن تستخدم فلسفة التكيّف مع الظروف، وأن يكون تأثير رئيس الدولة واضحاً وصريحاً ومقدراً دوره كثيراً في التوجيه وتفعيل الاستراتيجيات، حتى إن دوره يقتضي متابعتها، لأن للدولة مصالح عليا لا بدّ من الالتزام بها، لذلك يجب أن تعلو وتسمو السياسات التنفيذية على الأنا والمصالح الضيقة بشكل عام، فكيف بها حين تمر الدولة بأزمات داخلية أو خارجية مبرمجة أو عبثية أو قدرية، التي معها يجب أن تكون الأولويات ضمن الاستراتيجية الكلية، التي لا يمكن أن تتأثر بأي اضطراب، لذلك عندما يؤمن الجميع بضرورة تجاوز الظروف الصعبة الداخلية منها، نجد أن الخارجية تتفكك بسهولة على اعتبارها استثنائية ومحاصرة تأثيراتها بالحكمة العلمية والواقعية يتم بالتأكيد تجاوزها بل إنهاؤها.
لنؤمن بقدرات سياسة الدولة وندعم استراتيجيتها في القضايا الحساسة والأساسية، فهذا يساعد كثيراً في اختزال زمن الأزمات، بل ينهيها ويزيل القلق العام، لأن الاكتفاء بالمراقبة ورمي الاتهامات جزافاً يؤخر الحلول، ويدمر أي إنجاز، لا شك أن وصول إيمان المسؤولين لدرجة الالتزام القوي والفعال بإنهاء الأزمات يؤدي إلى قيمة مهمة تدفع المواطنين للإيمان بالدولة وبسياستها التي يقودها رئيسها، وعكس ذلك يأخذ بهم للإيمان بالخرافة والإشاعة والشعوذة والاكتفاء بالدعاء، وهذا بحد ذاته فعل تخلف وتقهقر وانحدار، لأن الكل في الدولة يجب أن يطمح للتقدم وإلى ظروف معيشية أفضل وتوافر في الفرص الاقتصادية.
دققوا فيما يحدث، لقد جعلت وسائط التواصل الاجتماعي المواطنين يدركون مدى سوء أوضاعهم الاقتصادية، وببساطة قارنتهم ليس بمحيطهم، إنما ببعض منهم، وهذا ما زاد في إرباك سياسة الدولة، وأجج مشاعر الاستياء، هل كان من انتباه لهذه، أو هل كان هناك علاج؟ أقول نعم كان هناك علاج من رئيس الدولة، أما الباقون فكان إيمانهم ضعيفاً بالنتائج، أو أنهم لم يستثمروا في مبادرات الحلول التي طرحها عبر ضرورات الإصلاح الاقتصادي أولاً وأخيراً، تحقق الدولة النجاح عندما تتجه لتجميع معايير الجدارة النوعية والتخصصية، وتستفيد من الأطر القائمة على النتائج، ومعها يحدث تدخل سياسة الدولة على تمكينها من اكتساب الدعم الشعبي للتركيز المتجدد على النتائج من خلال مؤشرات أداء متفق عليها ضمن الاستراتيجية العامة، ويجري نقلها بشفافية للمواطنين.
هل لدى السلطات استراتيجية؟ المتابعون يتحدثون عن العمل باللحظي، نظراً للتفاجؤ مع كل حدث طبيعي أو اصطناعي، واليوم هو السائد، والكل ينتظر التوجيه دون التقدم بأي مبادرة، رابطين ذلك بالحصار والانحصار، وبتأخر وصول المواد وعدم الاستجابة لما يطلب، أو بالاستجابات البطيئة، بينما توجيه الرئيس يعطي الحرية للمبادرة، ولا يستدعي الرجوع إليه إلا عند الضرورات، هل هذا صحيح؟ كيف ستكون الإجابات.
إن وقوف سياسة الدولة في وجه أي تورط أجنبي أو محيطي فيما يمس الجوانب المتمثلة في الأمن القومي وأمن الدولة أو التلاعب في انتظامها ومحاولات استغلال ظروفها وظروف مواطنيها مع شرحها لما يجري يؤدي إلى وحدة الدولة بكل ما فيها، ويحمل لها النجاح والاستمرار، وهذا لا يكون إلا إذا تحققت وحدة الدولة السياسية أي بشقها الخارجي والشق الداخلي الذي يتمثل بإدارة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية لمهامها بشكل ناجح أو بالحد الأدنى المرضي، لأن مواطنيها يتفاعلون معها بقوة مادام أن هناك رضى.
سياسة الدولة عنصر قوة وفخر واعتزاز لمواطنيها من خلال تدخلاتها المؤثرة في كل الأحوال، لتنشأ بينهما وحدة ملحمية تغدو قادرة على مواجهة كل التحديات، وأهمها نجاحها أمام الرأي العام الذي يتعرض للتضليل بشكل دائم من قوى مرئية ولا مرئية، هي هكذا ببعض مما طرحته تكون سياسة دولة ناجحة لا دولة سياسة، أفرادها يستندون إلى ثقافة النقل والعنْ وانتظار الحلول، وبهذا آمل أن أكون قد خرجت عن بعضٍ من النمطية السائدة في هذا الوقت.
د. نبيل طعمة