صفعة عجوز قد توقظ السوريين من غيبوبة ” الرفاهية الكاذبة”..
تحليل وآراء
الاثنين، ١١ مايو ٢٠٢٠
لافتة كانت وجهة نظر تلك العجوز التي جرى تداولها مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي، حول التدبير و دور المرأة في الخروج من المآذق المعيشية، عبر فعّاليتها في سياق المهام الاقتصادية للأسرة السورية ولا سيما في الأرياف..أي في معظم الجغرافيا السورية..” سنورد أقوال العجوز الجدّة في نهاية المقال”..
الواقع أن وجهة نظر هذه “الشاهد الملك”..تلخّص بكلمات بسيطة وعفوية، مشكلتنا اليوم نحن السوريين، وتعكس التطورات الحادة والقفزات غير الحميدة التي طرأت على المجتمع السوري، في جانبين اثنين..
الأول: انسحاب أو انكفاء الأسرة السورية في مضمار البحث عن الكفاية، سواء على مستوى الادخار، أو على مستوى الإنتاج ..وفي الحالتين هو ما اعتدنا على تسميته التدبير .
أما الثاني: فيتعلّق بمزاج الاستهلاك وفرط الجنوح نحو الاسترخاء أمام متطلبات العيش ومصادر الرزق..ثم اقتحام مفردات جديدة ليوميات السوريين، كانت تقع في خانة الكماليات يوماً، فاندرجت في قائمة الأساسيات..ولاسيما المنتجات الهندسية والتكنولوجية.
المهم نحن اليوم في مأذق معيشي ضاغط بقوّة على الجميع، أكثر من شعر به هم الأسر محدودة الدخل والأخرى من غير الموظفين …فالتغيرات بمجملها أنتجت هزّات عنيفة للعملة الوطنية والقوة الشرائية..أي بات الجميع في ورطة.
نعم الحرب والحصار هما السبب..لكن السؤال المهم يفرض نفسه بقسوة في هذا المجال وهو: كيف غيّرت الحرب من سلوك السوريين..هل أقلعوا وطردوا نزعة الاستهلاك التي استوطنت في دواخل معظمهم خلا سنوات رخاء ما قبل الحرب..وهل دفعتهم الحرب – طوعياً – للبحث عن مصادر رزق إضافية، هي متاحة وموجودة وجاهزة..بل وطالما كانت مصادر الرزق الوحيدة..وباختصار هل كنا ذوي فطنة في الاستعداد للسنوات العجاف، لنهجم على الفقر المدقع قبل أن يهجم علينا ؟؟؟
لن نجتهد في الإجابة بل سنتركها لإدراك كل متابع للتفاصيل، وجميعنا متابع ومعني أيضاً..إذ نعلم جميعاً أن أكثر ردة فعل اشتهرنا بها كانت ” الصراخ” والشكوى، وكأن الفيسبوك هو الملاذ الجاهز للبوح والإنصات إلى ذبائنه ثم الحسم الكلّي للمشاكل والشجون المعيشيّة !!
أما زالت أكبر مشاكلنا هي بطالة وسائل الإنتاج وفي مقدمها الأرض..نحن البلد الزراعي العريق؟؟
ماذا ننتظر ونحن نرى ونتابع مشاهد الفاقة والفقر..ونتائج الحرب والحصار – وهي بالمناسبة نتائج متوقعة ومغفّل من كان يتوقع غير ذلك – أليس من إجراءات خاصّة بكل مواطن، عليه أن يلوذ بها للتخفيف من وطأة الظرف الراهن؟؟
إن كان عائد الوظيفة العامّة، غير كافٍ فهل تبدو المطالبة بزيادة الرواتب في دولة أنهكها الصراع مع الإرهاب هي الحلّ، أم أنّ ثمة خيارات فرديّة تؤدي بحصيلتها الجمعيّة إلى تنمية ودعم للاقتصاد والسوق والمستهلك..وللتصدير أيضاً ؟؟
لم يعرف السوريون قبل تسعينيات القرن الماضي..استهلاك الخضار كافة في غير مواسمها التقليدية..وكانت الخضار المجففة هي خيار الأسر السورية، وتدابيرها الخاصّة بفصل الشتاء..البندورة والكوسا والفاصولياء والباذنجان والمربيات…وسلسلة طويلة من منتجات البيئة المحليّة..أي كانت منتجات الزراعة المحميّة للتصدير وليس إلّا..فما الذي تغيّر ؟؟
أليست الظروف الصعبة والعصيبة اليوم تملي على الجميع العودة إلى مثل هذه الخيارات..ويفضّل أن يكونوا هم المنتجين أساساً..
لن نتحوّل إلى مرشدين في التدبير المنزلي..فلغة الوعظ والإملاء غير مستحبّة أبداً..لكننا نعلم أن استهلاك الخضار في غير مواسمها التقليدية ” المحميّة” غير مستحب في ثقافتنا – حتى وقت قريب – لأسباب تتعلق بثقافة الاستهلاك..ثم لارتفاع أسعارها..وأيضاً لأسباب صحيّة تتعلق بالأثر المتبقّي والإضافات الكيميائية الهرمونية لها..لنعود إلى التساؤل عما تغيّر؟؟
لما كلذ هذا الصراخ..ارتفعت أسعار البندورة في نيسان..وهو شهر ترتفع فيه أسعار هذا المنتج تقليدياً، نظراً للطلب الخارجي على البندورة السورية..فقامت الدنيا ولم تقعد، وكأن البندورة خبز أو حليب أطفال، أو ترياق لا يملك أي سوري العيش والاستمرار بدونه.
الحقيقة والوقائع وتجارب من مرّوا في ظروف كظرفنا الراهن..كلّها تؤكّد أن علينا العودة إلى ” الرشد الإنتاجي والاستهلاكي”..فللظروف إملاءاتها، وللحروب نتائجها..لكن معظمنا ما زال يكابر ويصرّ على تجاهل حيثيات ومتغيرات مهمة طرأت على بلدنا بعد تسع سنوات حرب.