صلاح السعدني... وداعاً يا «عمدة»!
نجم الأسبوع
السبت، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
غيّب الموت أمس الممثل المصري صلاح السعدني (1943 ــــ 2024) الرجل الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، في إحالة إلى دوره البارز في المسلسل الشهير «ليالي الحلمية» (1987 ــــ 1995). في البداية، أعلن نقيب الممثلين المصريين أشرف زكي الخبر الحزين، فانهالت تعليقات الفنانين والجمهور التي نعته وتذكّرت أعماله الخالدة على مر تاريخه الفني الطويل الذي امتد على أكثر من نصف قرن. كما نعته وزارة الثقافة المصرية في بيانها، مشيرةً إلى أنّ «أعماله باقية تُخلّد ذكراه وتُلهم الأجيال القادمة».دفع صلاح السعدني غالياً ثمن مواقفه السياسية ومواقف عائلته وصُنِّف على أنه من المغضوب عليهم خلال عقد السبعينيات خلال حكم أنور السادات (1970-1981). ورغم أن انطلاقة السعدني كانت في ستينيات القرن الماضي، إلا أنّ العقوبات التي طالته، عرقلت خطواته بين مدة وأخرى، وبالتالي تعتبر مدة الثمانينيات والتسعينيات هي التي صنعت شعبيته الجارفة التي ظلّت حتى وفاته، عبر مشاركته في أعمال درامية لا تزال تحظى بنسب مشاهدة عالية سواء لدى إعادتها على قنوات التلفزيون أو عبر يوتيوب. حلّ السعدني بطلاً على الأجزاء الخمسة من مسلسل «ليالي الحلميّة»، و«أرابيسك» (1994)، وكلاهما من تأليف الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة. وكان «ليالي الحلمية» المسلسل الذي تحدث عن مصر وأحوالها منذ عصر الملك فاروق وحتى بداية التسعينيات، وما مرّت به البلاد من تغيّرات بعد ثورة يوليو وحرب أكتوبر 1973 والانفتاح الاقتصادي الذي عاشته مصر مع أنور السادات، فحقّق المسلسل شعبية كبيرة. وقد انطلق السعدني في أعماله بعد وفاة السادات عام 1981، إذ خفتت الحرب التي كان يقودها النظام عليه. كانت ثقافته الواسعة تجعل اختياراته الفنية مميزة، فحملت أعماله إلى جانب المتعة الفنية، دوراً سياسياً وثقافياً قدمه السعدني بشكل غير مباشر، فغلبت على مسلسل «أرابيسك» الرسائل السياسة والاجتماعية عبر الشخصية التي قدمها السعدني بطلاً وهي «حسن أرابيسك»، وأثار مسلسله «حلم الجنوبي» (1997) نقاشاً كبيراً في مصر حول تجارة الآثار، وكان مسلسل «الأصدقاء» (2002) الذي أدّى بطولته مع محمد وفيق وفاروق الفيشاوي علامة أخرى في تاريخه الدرامي، حيث قدّم شخصية عالم الذرة الذي يُقتل بسبب رفضه بيع بحث مهم لـ «العدو». أعمال عرض معظمها للمرة الأولى في شهر رمضان حين كان الموسم الوحيد تقريباً لعرض المسلسلات. وعبر هذه الأعمال، حقّق السعدني مجداً درامياً كبيراً، وكان يقال إن عادل إمام حقق نجوميته في السينما، بينما حققها السعدني من الدراما. وكانت المقارنة دائمة بينهما لأنهما من جيل واحد، وظهرا معاً عبر مسرح جامعة القاهرة، كما تزاملا في كلية الزراعة التي كانت بشكل أو بآخر مصدراً لتفريغ كثير من المواهب المصرية مثل محمود عبد العزيز، وسميرة غانم وجورج سيدهم، وغيرهم.
أطل السعدني على جمهوره المصري للمرة الأولى في عام 1960 عبر مسلسل «الرحيل»، وغلبت أعماله السينمائية في البداية على تقديم الدراما، فظهر في «شياطين الليل» (1966) مع فريد شوقي، وأفلام الحرب الشهيرة «أغنية على الممر» (1972)، ثم «الرصاصة لا تزال في جيبي» (1974)، وشارك مع المخرج يوسف شاهين في أحد أهمّ أفلامه وهو «الأرض» (1970) الذي صنِّف الثاني ضمن أفضل 100 فيلم مصري. عمل السعدني في أفلام أخرى عدَّت من علامات السينما المصرية في القرن العشرين، مثل «زمن حاتم زهران» (1987) مع نور الشريف وبوسي، و«تحت الصفر» (1990) مع نجلاء فتحي، و«شحاتين ونبلاء» (1991)، و«المراكبي» (1995)، و«قضية عم أحمد» (1985)، كما قدم السعدني أعمالاً مسرحية أهمها «الملك هو الملك».
وكان مسلسل «القاصرات» (2013) قد سجّل آخر إطلالاته على الشاشة الصغيرة، فظهر في دور أثار الكثير من الجدل حينها، إذ ناقش المسلسل قضية شهيرة في مصر هي زواج القاصرات. وكان العمل مغامرة للسعدني الذي أدّى دور رجل متزوج من بنات صغيرات في السنّ. لكنها كانت أيضاً عادة الممثل الشهير الذي انجذب دوماً للأدوار الإشكالية ومناقشة الموضوعات ذات البعد الثقافي والاجتماعي، كما فعل في دراما قدمها من جزءين هي «رجل في زمن العولمة» ناقش خلالها أفكاراً جريئة عن الفارق بين الأجيال وتأثير التكنولوجيا ـــ التي لم تكن بشكلها الحالي ــــ على التعليم والثقافة وحياة البشر عموماً. ويرى النقاد في مصر أن السعدني لم يكرَّم كما يجب، وإن حصل على جائزة التميز الفني من «مهرجان الإسكندرية السينمائي»، لكن كانت هناك مطالبات دائمة بتكريمه من «مهرجان القاهرة السينمائي»، وهو ما لم يحصل.
خلال السنوات الأخيرة، اقتصر ظهور صلاح السعدني على بعض الصور مع نجله الممثل أحمد السعدني، فكانت تطمئن جمهوره ومحبّيه. وبعد اعتزاله الفن، لم يتورّط في أي تصريح عن أسرار مرحلة عمله في الفن، أو تفاصيل تخص شخصيات أخرى عمل معها لسنوات. لعلّها ميزة رموز هذا الجيل (هو وعادل إمام مثلاً). حينما ابتعدوا عن العمل، حافظوا على أن تكون صورتهم الأخيرة هي أعمالهم الدرامية والسينمائية، لا تصريحاتهم «النارية» التي تتصدر عناوين الصحف أو مواقع الفيديوات. واشتهر - كما يقول عن نفسه - بأنه رجل «كنباوي»، نسبة إلى الكنبة التي يجلس عليها، من دون أن يخرج كثيراً ويشارك في «العراك» السياسي والثقافي كما ذهب آخرون. نقطة علّق عليها الناقد طارق الشناوي في نعيه للسعدني بقوله «كان عملاقاً في ذروة عطائه منذ مطلع الستينيات. وعندما اختار الصمت في سنواته الأخيرة، ظلّ عملاقاً... صلاح السعدني قامة وقيمة».