ضغوط أميركية لتوسيع «الناتو»: «مولدوفا» لا تحسم عضوية كييف
أخبار عربية ودولية
السبت، ٣ يونيو ٢٠٢٣
بحماية دفاع جوي تديره قوات بريطانية وفرنسية ورومانية، توافد 47 زعيماً من مختلف أنحاء أوروبا وجوارها، أوّل من أمس، إلى مولدوفا، لحضور القمّة الثانية لـ«المجموعة السياسية الأوروبية»، والمعنيّة بمناقشة القضايا الأمنية المتعدّدة في القارة القديمة، بدءاً من الحرب في أوكرانيا، وصولاً إلى الصراع المستمرّ بين أرمينيا وأذربيجان، والتوتّرات المتصاعدة في منطقة البلقان. واستغلّ الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، القمّة للضغط من أجل انضمام بلاده إلى «حلف شمال الأطلسي» والاتحاد الأوروبي، وطالب المجتمعين بتقديم ضمانات أمنية لكييف.
بينما تجمّع القادة الأوروبيون في قلعة ميمي القديمة إلى الشرق من العاصمة المولدوفية كيشناو، على بعد 21 كيلومتراً فقط من الحدود الأوكرانية، لحضور القمّة الثانية لـ«المجموعة السياسية الأوروبية»، وصل الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، شخصياً إلى القمّة، لإيصال رسالة صريحة بدا وكأنها كُتبت في واشنطن: لقد حان الوقت لإظهار جدّيتكم في قبول انضمام أوكرانيا إلى «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) والاتحاد الأوروبي، وتزويد كييف بضمانات أمنية. وتضمّ المجموعة، التي تعود فكرة تأسيسها إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قادة سبع وعشرين دولة أعضاء في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى قادة عشرين دولة من جوار الاتحاد مِن مِثل بريطانيا وأوكرانيا والنرويج ومولدوفيا وأذربيجان وأرمينيا، وعُقدت قمّتها الافتتاحية في براغ في تشرين الأول من العام الماضي، بغرض أن تكون منصّة فريدة لجميع قادة أوروبا - باستثناء روسيا وبيلاروسيا - لمناقشة القضايا الأمنية ومعالجة النزاعات الإقليمية في بيئة أقلّ بيروقراطية من الاتحاد الأوروبي أو «الناتو». ونقلت الصحف عن دبلوماسي أوروبي كبير قوله آنذاك إن «هذه القمّة تتيح لنا الإحساس بوجود جهد جماعي للتعاطي مع الأمن الأوروبي المهتزّ، والاقتصاد المتصدّع، وعديد الدول الهشّة للغاية في كلّ مكان».
وعُقدت القمّة الجديدة، التي وفّرت قواتٌ بريطانية وفرنسية ورومانية الحماية للمشاركين فيها من خلال نشر شبكة من الدفاعات الجوية المؤقّتة، على بعد ثمانية كيلومترات فقط من ترانسنيستريا، وهي جيب انفصالي في مولدافيا يسيطر عليه موالون لروسيا ويُخشى من أن يكون في أيّ وقت جبهة جديدة في الحرب الأوكرانية، وفي ظلّ تصعيد عسكري روسي كبير ضدّ العاصمة الأوكرانية كييف، ومخاوف حقيقية من تفجّر نزاعات أمنية جديدة على أطراف الاتحاد، وتحديداً في كوسوفو في البلقان، كما بين أذربيجان وأرمينيا. ومن غير المتوقّع أن تتخذ القمّة أيّ قرارات محدّدة، لكنّ الجليّ أن هذه المنصّة تحولت بشكل أو آخر إلى تجمع بلا دستور مكتوب، لأجل توحيد مواقف الأوروبيين بعد ترك بريطانيا عضوية الاتحاد الأوروبي، ومن خلال أطر أقلّ رسمية تسمح بحوارات صريحة بين القادة حول مشاكل الأمن تحديداً. ومع أن الولايات المتحدة غير مدعوّة للحضور، إلّا أن وجودها ملموس من خلال العديد من القادة المغالين في استعداء موسكو، والدعوة إلى تكريس هيمنة واشنطن على الشأن الأوروبي.
وبعد الافتتاح، انقسم القادة إلى مجموعات أصغر، عقدت موائد مستديرة حول قضايا مختلفة، مع التركيز على محاور الأمن والطاقة وأنظمة الاتصال. ووفقاً لتقارير إعلامية، فقد كان لدى المشاركين متّسع من الوقت لحضور اجتماعات ثنائية، فيما عُلم أن اجتماعاً عُقد بين زعيمَي أرمينيا وأذربيجان، بوساطة رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، وانضمّ إليه لاحقاً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس، سعياً إلى تهدئة الخواطر بين الجمهوريتَين السوفياتيتَين السابقتَين، واللتين لا تزالان على خلاف بشأن مناطق متنازع عليها تسبّبت باندلاع نزاعات عسكريّة غير مرّة. كما دُعي زعيما كوسوفو وصربيا إلى اجتماع، بعد أن أصيب هذا الأسبوع حوالي خمسين من جنود قوة حفظ السلام التابعة لـ«الأطلسي» في شمال كوسوفو، أثناء اشتباكات مع محتجّين صرب غاضبين، ما أثار القلق من تجدّد الصراعات في يوغسلافيا السابقة، في وقت تحاول فيه واشنطن توحيد القارة ضدّ روسيا.
ويبدو اختيار كيشناو موقعاً لعقد القمّة مقصوداً، على رغم الصعوبات اللوجستية والوضع الجيوسياسي غير المستقرّ في البلد المضيف، إذ تَظهر السلطات المولدوفية في حاجة ماسّة إلى رفع وتيرة الدعم الغربي لها، لمواجهة تحدّيات شعبية من قِبَل موالين لروسيا على أراضيها. وكان وافق الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، على فرض عقوبات على أثرياء مولدوفيين في المنفى، متّهَمين بتمويل وتحريك أنشطة لزعزعة الاستقرار ضدّ الحكومة الموالية للغرب، فيما تأمل كيشيناو الآن أن تسفر القمّة عن التزامات بالدعم المالي أو السياسي أو الأمني من القادة الزائرين، ومزيد من التشبيك مع منظومات الاتحاد الأوروبي في الاقتصاد والاتصالات، على نحو يبعث برسالة قوية إلى موسكو حول الهوية الأوروبية للدولة الصغيرة المحصورة بين أوكرانيا ورومانيا.
على أن نجم القمّة كان - كما هو متوقّع - الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي بدا منتفخاً بالثقة بعد توافق الحلفاء الغربيين على إطلاق برنامج لتدريب الطيّارين الأوكرانيين على قيادة طائرات «إف 16» الأميركية الصنع. واستغلّ زيلينسكي حضوره لمطالبة الأوروبيين بدعم طلب كييف الانضمام إلى عضوية «الأطلسي» والاتحاد الأوروبي، وممارسة الضغوط على حكومات القارّة القديمة لتقديم ضمانات أمنية لبلاده. وقال للمجتمعين إن «أوكرانيا مستعدّة لتكون جزءاً من حلف شمال الأطلسي، ونحن في انتظار أن يكون الحلف بدوره جاهزاً»، مشدّداً على أن «الشكوك يجب أن تتلاشى، لأن قرارات إيجابية بشأن أوكرانيا بهذا الخصوص ستكون إيجابيّة لكلّ أوروبا». وبلغة طغى عليها التهويل، أضاف: «في فيلنيوس، هناك ضرورة لتوجيه دعوة واضحة لأوكرانيا للالتحاق بالناتو - في إشارة إلى القمّة السنوية للحلف المزمع عقدها في العاصمة الليتوانية الشهر المقبل -»، وأن «غياب الضمانات الأمنية لبلاده، ضمانة باستمرار الحرب».
وتنظر أوكرانيا، منذ فترة طويلة، إلى عضوية التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة كأساس لدفاعها وأمنها في المستقبل، لكنّ الحلفاء منقسمون حول كيفية وموعد حدوث ذلك، وما إذا كان تقديم ضمانات أمنية ثنائية لكييف، ضرورياً كخطوة تحضيرية إلى حين ترتيب عملية الانضمام في وقت لاحق. وفي هذا الإطار، دعا ماكرون، في خطاب عشيّة القمّة، إلى منح أوكرانيا «مساراً» لنيل عضوية «الأطلسي» الشهر المقبل، في ما بدا تغييراً في موقف باريس التي كانت مع الولايات المتحدة وألمانيا حذرة بشأن تحديد جدول زمني لعضوية أوكرانيا، بينما تدعو المملكة المتحدة وبولندا ودول البلطيق إلى البتّ في ذلك سريعاً. ويبدو أن مناقشات مكثّفة جرت بين الحلفاء الغربيين بشأن ترتيب تعهّدات أمنية لأوكرانيا مع دول «الناتو» بصفتها الفردية، ثمّ ترتيب تعهّدات أخرى من خلال منظّمات متعدّدة الأطراف، بما فيها تلك الموجودة خارج «الأطلسي»، سعياً لمنع اعتبار هكذا خطوة تصعيداً إضافياً ضدّ روسيا. وتدعم ألمانيا هذا التوجّه؛ إذ نُقل عن وزيرة خارجيّتها، أنالينا بيربوك، القول إنه «في حين أن الناتو لا يزال منفتحاً على مبدأ قبول أعضاء جدد، فمن الواضح أنه لا يمكننا التحدّث عن قبولهم في خضمّ الحرب». لكنّ كاجا كالاس، رئيس وزراء إستونيا، قال لدى استقباله من طرف مايا ساندو، رئيسة مولدوفا: «إننا نرى الضمان الأمني الوحيد الفاعل لأوكرانيا هو عضوية الناتو».
وبينما استمرّ الجدل في القمّة حول تطلّعات كييف إلى عضوية «الناتو»، تعمل بروكسل، بالتوازي، على خطّة تمويل طويلة الأجل لأوكرانيا بقيمة عشرات المليارات من اليوروات، في محاولة لجعل دعمها لنظام كييف أكثر ديمومة، وتغطية احتياجات أوكرانيا حتى عام 2027. وتأتي خطّة التمويل هذه، والتي قد تستلزم حزمة ديون جديدة، وسط مراجعة لميزانية الاتحاد الأوروبي للأربع سنوات القادمة، والتي استُنزفت بشدّة بسبب دعم الحرب وتكاليف استيعاب تدفّق اللاجئين، فضلاً عن ارتفاع التضخّم ودخول اقتصادات أوروبية رئيسة في ركود اقتصادي. ومن المتوقّع أن تكون الخطّة جاهزة للإعلان عنها في مؤتمر حول إعمار أوكرانيا سيُعقد في لندن يومَي 21 و22 حزيران الجاري.