عالم بلا عدالة
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٣
لحظة أن تصل البشرية إلى سيطرة (عنواننا) على عقولها، يعني هذا أن لا مقدس ولا قداسة، لا أخلاق ولا مشاعر، لا أحاسيس ولا سلام، وجهاً لوجه تجد العدالة ذاتها خاسرة أمام قوى الطغيان، السلاح ضد الإنسان، والإنسان بحد ذاته سلاح، سلاح للبناء وسلاح للدمار، ينطق بالعدالة ويحكم بها وينتهكها ويعتدي عليها، والإعلام الذي يجب أن يخبر الناس النبأ المفرح يقلب الحقائق، فبدلاً من الحب ينشر الكراهية، ويعمم الفساد بدلاً من الأخلاق، التدين غدا وهماً؛ أي أنه مظهر بلا إيمان، وهنا اسمحوا لي أن أسأل عن الكيفية التي يفكر بها البشر، وكيف يصلون للتفكير في الإنسانية التي تمثل العدالة والعودة إلى امتلاك نواصيها، لأن البشر في زماننا الحالي يُظهر أننا لم نتعلم سوى ثقافة الثعالب وبطولاتها العظيمة مع الطيور والدجاج.
عالم بلا عدالة، عالم امتلأ بالصهيونية الأورو أمريكية اليهودية التي أخذته إلى التشرذم والانقسام والانقضاض على بعضه، ومعنى امتلائه بالصهيونية التي تجسد الفكر السياسي للديانة اليهودية، يريدون تعميم انقسام العالم إلى شرق وغرب وشمال وجنوب؛ أي إلى تابع ومتبوع، إلى شر وخير، هذا أولاً، وثانياً تعويم الصهيونية اليهودية وجعلها رائدة في الفكر العالمي بغاية تطور التشدد الديني الإسلامي والمسيحي.
عالم بلا عدالة امتلأ بالغدر اللئيم الذي يرافقه الحقد الأسود، ليس فقط على أهل فلسطين وغزة ومقاومتها، بل على كل الشعوب التي ترفض سياسات الهيمنة، وهذا ليس وليد الساعة أو الأمس، إنما هو جزء رئيس من فلسفة الغرب الذي زرع الإسرائيلي ووطّنه في أرض فلسطين، وحوّل هذه الفلسفة إلى منهج تراكمي ظهر في عصابات (شتيرن والهاغانا)؛ منهج عقلية إبادة شعب وإحلال بديل عنه، وتعميم الظلم بدل إحقاق الحق والعدالة، وكلما اشتد الحقد وساد الظلم وتضاعف بدا أن النهاية اقتربت وستحل على كل ظالم وكل معتدٍ، ليس غريباً أن يحيا جميع الفلسطينيين، وبشكل خاص سكان غزة ومقاومتها، الخطر وتحول الإسرائيلي إلى مجموعه من الذئاب الغادرة وقطعان من الوحوش المتعطشة للدماء، وليس جديداً انضمام الأمريكي الذي يعلن أنه يهودي الديانة وصهيوني النهج، ومعه أيضاً الأوروبي، إلى هذه القطعان ليتراكم منهج الغدر وإظهار الحقد، والذي ظهر منذ وعد بلفور عام "1917" وتسلل عصابات الحقد إلى فلسطين ومشاغلة محيط هذا الشعب، وبشكل خاص سورية ولبنان والأردن ومصر، ومحاولات إخضاع هذه الدول لهيمنتهم، نجحوا مع البعض، ولكنهم لم ينجحوا مع محور المقاومة الذي أفشل منهجهم.
ليس صحيحاً أن الوقت كفيل بالنسيان، فالعدالة تحضر ولو بعد حين، وإن كان المشهد العام مُيئساً فإن القادم منصف مهما طال الزمن أو قصر، لأنها تعني المنظومة الأخلاقية، تقوم منها وتسير بها، فهي العقلانية والقوانين الروحية والقوانين الوضعية، وهي الإنصاف، وهنا أقصد بالعدالة عدم الانحياز عند محاكمة أي إنسان لأي إنسان آخر، كما أنها ضد الظلم والجور والتطرف، وهي مع الإنصاف والمساواة والتوازن وعدم التعدي، وحماية الإنسان لمصالحه الفردية والعامة.
هل من عدالة بين الأمم، بين الشعوب، ومن سبب تميع العدالة؟ والعدالة تعني أيضاً حقوق الإنسان، كيف سيأخذ الفلسطيني حقه من الإسرائيلي؟ وكيف سيأخذ العربي والأفريقي والآسيوي حقوقهم من الأمريكي والأوروبي؟ اللذين يمثلان الاستعمار القديم والاستعمار الحديث، ومن الاعتداء على اقتصادهم وجغرافيتهم وحكوماتهم؛ أي الاعتداء على الإنسانية جمعاء، وهنا المفترض أن تنضم الديمقراطية والحرية إلى منظومة أسس العدالة وإلى الإنسانية، ولكن الذي نشهده هو تبني، من يطلقون على أنفسهم أنهم ديمقراطيون وأحرار، العنف والظلم والحقد، بل أكثر من ذلك التطرف على اختلاف مناهجه، وهذا ما شهدناه من خلال دعم الأمريكي والأوروبي، دعاة الحرية والديمقراطية، للصهيونية اليهودية الإسرائيلية وقتلهم شعباً يطالب بأبسط حقوق العدالة، كحقه في دولة يقتسم فيها فلسطين بينه وبين اليهودي الصهيوني، لا أكثر ولا أقل، ألا يريد اليهودي الإسرائيلي أن يفكر بالعقل والمنطق؟ وهل يمكن أن يتحقق هذا الذي يُنادى به منذ أكثر من سبعين عاماً، رفع أياديهم عن سورية ولبنان والعراق، وترك هذه الشعوب تحيا بسلام وأمان؟ وهنا سنقول أن للعدالة باباً فُتح وسيؤمن به الجميع، وسنظل نردد أنه عالم بلا عدالة طالما أن الظلم و الجور يقع، ليس فقط على منطقتنا وعلى الفلسطينيين الذين يؤمنون بالمقاومة كونها جين يسري في دمائهم، بل هو واقع أيضاً على الروسي والصيني والإيراني والأمريكي اللاتيني، واسمحوا لي هنا أن أضيف بأن القبول بتعدد الأقطاب يجسد مخرجاً من مأزق اللا عدالة إلى العدالة التي يسعى إليها سواد العالم ويناضلون من أجل تحقيقها.
د. نبيل طعمة