عروبة مواجهة الأزمات..بقلم: جمال الكشكي
تحليل وآراء
الأحد، ١٧ سبتمبر ٢٠٢٣
إنه غضب الطبيعة، وتمرد المناخ.. زلزال وإعصار، كارثتان صادمتان.. الزلزال بقوة 7 درجات على مقياس ريختر من ناحية «الجبال المطوية» جبال أطلس في أقوى هزة أرضية تشهدها المملكة المغربية منذ أكثر من 60 عاماً، حصدت أكثر من 2900 قتيل ونحو 5700 مصاب، وتواصل فرق البحث والإنقاذ، عمليات الإغاثة والبحث عن مفقودين تحت الأنقاض.
أما إعصار «دانيال» القادم من اليونان وتركيا وبلغاريا، فهو أكبر كارثة طبيعية تضرب شرق ليبيا، فقد ابتلع أحياءً بأكملها، وحصد ما يزيد على 11 آلف قتيل، وعدة آلاف من المصابين.
الكارثة مفزعة، تداعياتها أسوأ، لم يفق الأشقاء في ليبيا من تعقيدات سياسية خلال عقد مضى، حتى باغتهم هذا الإعصار، ليضاعف الخسائر، ويدخل بهم إلى دائرة جديدة، ليس من السهل تحديد نهايتها.
الحديث عن زلزال المغرب، وإعصار ليبيا يقودنا إلى خطر بعنوان «غضب الطبيعة»، و«تمرد المناخ» اللذين باتا القضية التي تفرض نفسها على طاولة التحديات الكبرى التي تهدد العالم، ويكفي أن أتوقف أمام نتائج تقرير مؤشر المخاطر العالمي 2022 الصادر عن تحالف «تطوير المساعدة» الذي يدمج منظمات إغاثية ألمانية عدة، مقرها مدينة آخن، والذي احتلت فيه الفلبين ثم الهند وإندونيسيا المراكز الثلاثة الأولى، للدول الأعلى في مخاطر الكوارث الطبيعية، والتغير المناخي، على الصعيد العالمي.
يركز المؤشر على قياس مستوى مخاطر الكوارث من الأحداث الطبيعية، والعواقب السلبية لتغير المناخ في 193 دولة حول العالم، حيث يتم حسابه لكل دولة بناءً على متوسط حجم التعرض والضعف.
وسط هذه الأجواء المأساوية التي سكنت عقول الأطفال، وفرقت الأحبة، وأحرقت القلوب، ودمرت العمران، وضاعفت من منسوب الخسائر، وخلقت فوبيا المخاطر، أجدني في حالة انتباه وتأمل، في مشهد الانتفاضة العربية السريعة، لتقديم كل أشكال الدعم اللازمة لإنقاذ ومساندة الأشقاء في ليبيا والمغرب، وأضع هذا المشهد إلى جوار مشهد تدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا وتركيا، عقب الزلزال المدمر الذي أودى بحياة الآلاف، فضلاً عن تهجير آخرين من منازلهم، وسط ظروف قاسية، وأيضاً الدعم العربي للأشقاء في لبنان أثناء انفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى فتح الأبواب العربية أمام الأشقاء السودانيين منذ اللحظات الأولى لاندلاع الأزمة.
وهنا عندما أمد الخط العربي على استقامته في التعامل مع كل هذه الكوارث المتتالية، لنجدة المنكوبين مالياً وغذائياً وطبياً، وإرسال فرق بحث للمساعدة على إخراج المحاصرين من تحت الركام، تستوقفني أمام هذا التحرك العربي صورة جديدة، تنطلق من إيمان كامل لدى الدول العربية بضرورة التضافر والتعاون والتسامح، وأن الأقطار العربية باتت كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
نعم هذا المعنى والمفهوم أصبح واقعياً، تترجمه الحقائق على الأرض، وهذا من شأنه - بالإضافة إلى تخفيف المعاناة عن الأشقاء ومساعدتهم للخروج مما ألم بهم - خلق حالة عربية وعروبية تذوب من خلالها أية خلافات، بل ويلعب دوراً كبيراً في تعميق التضافر والتضامن، وتشييد بنية سياسية جديدة، على أسس وروابط صنعتها اللحظات الصعبة، وهي لحظات لا تخطئها عين المستقبل، ولا تغفلها عين التاريخ، فضلاً عن أنه لو نظرنا إلى هذا الواقع العربي الجديد، سوف نجده ضرورة تتماشى مع متغيرات، وتحديات نظام عالمي جديد، يطرق الأبواب بقواعد وشروط لا تقبل إلا بالتكتلات القوية، ومن ثم، فإن الفلسفة العربية التي نلاحظها في التعامل مع الأزمات العربية، وأثبتت نتائج طيبة، يجب أن تكون قاعدة للتضافر وتقليل الفجوات، وتقريب المساحات، وتطابق الرؤى، فليس صعباً أن تتحول الأزمات إلى فرص، فالخرائط العربية كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً.