على هامش الحياة ...بقلم: الباحثة النفسية الدكتورة ندى الجندي
تحليل وآراء
الخميس، ١٦ نوفمبر ٢٠٢٣
أي كلمةٍ نكتب بعد قراءة واقعنا؟
أي لونٍ نختار لحياتنا بعد أن اكتسح سواد الظلم وجودنا؟
أي صوت يعبر عن ماسينا؟؟
نيران الحقد تلتهم مضاجعنا ومرارة القهر تخنق أنفاسنا..
أما من مغيث ؟
الصراع في أوجه والألم في ذروته!
موازين القوى اختلت واختل معها الأمان.. الصراخ يتعالى وسهام الموت تنهال علينا من كل صوب ومازال الصمت القاتل هو السائد!
صمتٌ يغدو معه الجلاد هو الضحية!
من هو الجلاد ومن هي الضحية ؟؟ وجود الضحية ألا يستدعي وجود المنقذ؟؟
(الضحية -الجلاد- المنُقذ) علاقة ثلاثية أشار إليها الدكتور النفسي "ستيفان كاربمان Stephen Karpman " عام 1968 نموذج يمثل سيناريو للعلاقات الاجتماعية وأطلق عليه اسم " المثلث المأساوي" كيف تتسم هذه العلاقة ؟
الضحية معذبة عاجزة عن الدفاع عن نفسها ،عاجزة عن الخروج من مأزقها إنها تعاني من ظلم الجلاد الذي يستغلها وفق مصالحه وبالتالي هذا يستدعي وجود المنقذ الذي يأخذ على عاتقه مساعدة وإنقاذ الضحية.
أدوار اجتماعية ثلاثية ربما يمر بها الإنسان جميعها فيكون هو الضحية والجلاد على سبيل المثال الطفل الذي يضربه أبوه لأتفه الأسباب ويحقره يمثل الضحية والأب هو الجلاد، هذا الطفل قد يصبح عنيفاً مع رفاقه في المدرسة ويضرب صديقه في الصف فيصبح هو الجلاد ليتدخل أخو الطفل المُعنف ويدافع عنه فيكون هو المنقذ. وربما يكون هذا الطفل الذي أخذ على عاتقه مساعدة أخوه عانى من الضرب من والديه ليأخذ دور المنقذ.
ولكن لماذا أطلق عليه "كاربمان "Karpman اسم "المثلث المأساوي"؟ المأساة تكمن في الوقوع في حلقة مأساوية صعب الخروج منها !
وجود الضحية هذا يعني لا بد من وجود جلاد لها:
الضحية في حالة شكوى دائمة، إنها عاجزة عن أخذ القرار المناسب وامتلاك نواصي المبادرة لحل مشكلاتها، ألا يجسد ذلك أنها في حالة تبعية؟
مالذي يجعل الإنسان في حالة تبعية للآخر؟؟
فقدان الثقة بالنفس، العامل الاقتصادي أم الموروث الاجتماعي بمثابة قانون يكبل الإرادة الإنسانية؟
والسؤال الأهم لماذا الضحية تريد أن تبقى دائماً في صورة ضحية؟ ماذا تحقق من ذلك ؟
إنها عاجزة عن القيام بأي فعل والشكوى أسهل لها من أن تتخذ أي قرار قد يقودها إلى المجهول فهي تعيش على الشكوى، تبقى غير مسؤولة وتحمل أخطائها لغيرها والأهم إنها تشد الانتباه والاهتمام إليها وربما تحصل على المكاسب من حالة الضعف هذه !
ماذا عن الجلاد لماذا هذا العنف وأي هدف يرجو من إلحاق العذاب بالضحية؟؟
الجلاد نرجسي أناني، هدفه تأمين مصالحه وفرض آراءه، يخاف من أن لا يحترمه الآخر فهو يفرض وجوده بالقوة، بالإرهاب ،إنه يبث الخوف في محيطه حتى يراه الأخر، حالة خوف مرعب من أن يتلاشى وجوده في عيون الآخرين وبالتالي يفرضه بالعنف ،هل الانسان المتوازن نفسياً يحتاج لذلك؟؟
- الجلاد بحاجة لأن يكون عنيفاً حتى نشعر بوجوده!
- وهذا يستدعي وجود المنقذ
ثقافة المنقذ ماذا تعني؟ وماذا تحمل في خفاياها؟
ألا يتم في كثير من الأحيان خلق الضحية لتبرير وجود المنقذ؟؟
المٌنقذ يأتي لمساعدة الضحية، إنه يسعى جاهداً لمساعدة الآخر وهذا ما يعزز ثقته بنفسه، وجوده ضروري ولكنه يسعى لأن يكون وجوده أساسي! إنه يكرس وقته كله لمساعدة الضحية حتى قد يشعر بالذنب تجاهها إذا لم يتولى هذه المهمة على أتم وجه ولكن متى يتحول دور المنقذ إلى دور سلبي؟
المنقذ قد يفرض رأيه على الضحية، إنه يتجاهل حاجة الآخر ولا يستمع إليه فيقرر عنه ويقدم له الحلول جاهزة وبالتالي لا يساعدها على تحمل المسؤولية ، إنه يتخذ القرار عنها ويجد الحلول التي قد لا تتناسب معها وبالتالي يصبح هو الجلاد
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا يتفانى المُنقذ في مساعدة الضحية على حساب نفسه؟
أليست محاولة للهروب من مواجهة مشكلاته؟؟
وربما تعكس في الحالات المبالغ بها حاجة مرضية للحصول على التقدير والقبول من الآخرين .
المنقذ يتحول دوره إلى دور سلبي عندما تصبح الضحية في حالة تبعية مطلقه له.
إذاً الضحية تجلب الجلاد والمنقذ وقد يكون الجلاد ضحية سابقة أراد الخروج من هذا الدور!
مثلث مأساوي لصور العلاقات الاجتماعية كيف الخروج منه والذي يقودا إلى طرح السؤال التالي : ما الذي يجنيه البقاء ضمن أطر هذا المثلث ؟
كيف الخروج من هذه المتاهة النفسية؟ وهل ندرك أننا في حالة توهان ؟
مثلث مأساوي يجسد مفهوم التبعية بكل صورها حتى إذا أبحرنا في عمق العلاقات الدولية نجده ، ألا يتبلور هذا المثلث في مراحل مختلفة من وجودنا؟
هذا الموضوع يلقي الضوء على مفهوم السيادة بكل معانيها فهل نمتلك حقاً السيادة وحق تقرير المصير؟؟
هل ندرك أنفسنا ، خفاياها؟ هل نمتلك السيادة على أنفسنا على أرضنا ؟ هل نعرف مكاننا ؟
للخروج من هذا المثلث المأساوي يجب أوا مساعدة الضحية على استعادة الثقة بنفسها وبقدراتها حتى تتمكن من تحمل المسؤولية بشكل واثق ودقيق وهذا يقتضي معرفة الذات معرفة جيدة ومعرفة الآخر وهذا يكون بالحوار البناء والسعي للتغيير والتطور دون اللجوء للعنف وإيذاء الآخرين ولكن بشكل صارم يفرض احترامه وحدوده.
هذا النموذج الذي طرحه "كاربمان "Karpman يساعد على فهم الأدوار الاجتماعية ومداخلاتها ولكن يجب الحذر من اعتماده كنموذج ثابت نظراً لتعقد العلاقات الاجتماعية وغموض الشخصية الإنسانية.
المهم أن ندرك أي دور نلعبه اليوم في الحياة وأي مكانة نرتقي الوصول إليها ؟
اليوم في غمار هذا الظلم الذي نعيشه
أما آن لنا الخروج من دور الضحية؟
أما أن لنا كسر صورة الجلاد التي ألصقت بنا؟
ألا يحق لنا الحياة؟؟؟
أم يجب أن نبقى على هامش الحياة