“عيناك كالشام”مجموعة لياسين الحمود التزمت الشكل التقليدي للقصيدة

“عيناك كالشام”مجموعة لياسين الحمود التزمت الشكل التقليدي للقصيدة

شاعرات وشعراء

الاثنين، ١٦ مارس ٢٠١٥

من الريف الجميل يطلق الشاعر ياسين الحمود صرخته “عيناك كالشام” عنواناً لمجموعته الشعرية الجديدة التي التزم فيها الشكل التقليدي للقصيدة العربية في الغالب وتنوعت همومها بين الوطني والقومي والعاطفي والإنساني والاجتماعي ويتضح ذلك منذ الصوت الأول في المجموعة إذ يناجي الليل والأحباب والوطن والأهل والأصحاب.

أقبل الليل فقامت أعيني

بروءى الأحباب في الماضي البعيد

أين يا أوطان أهلي ..صحبتي

يا زمان الوصل من عهد بعيد.

يلتزم الشاعر الحمود الشكل العمودي التقليدي للقصيدة العربية في الغالب وهو إذ ذاك يجد نفسه بين المعاصرة واقعا ملموسا وبين جذور الماضي خيالا محسوسا لذلك يضع قدميه واحدة في الماضي البعيد وأخرى في عالم اليوم فتظهر القصيدة لديه مزيجا من بناء الماضي ولغته ومفرداته من جانب ومن منمنمات الحاضر مطرزة بتشكيلات مختلفة الألوان من جانب آخر..

عوجي على وادي الشباب تذكري

يا حلوتي أحلام حب غامر

مري على وادي الصبا وتلفتي

أو ما رأيت رسائلي ودفاتري.

وقصائد الشاعر تتزاوج بين بهاء الريف وبساطته وجماله الطبيعي من جهة وبين قناع المدنية ومرارة الزمن من جهة أخرى فهو ابن الريف الجميل بلا تكلف حيث الطبيعة الملهمة والمحبة والصدق والشفافية.

فالريف مهدي والربيع قصائدي

ومسارح الإلهام والتكوين

والريف حلمي والمحبة والندى

والصدق طهري ما حييت وديني.

ونجد المرأة لدى الشاعر حمود غالبا صورة حسية تقليدية يتناولها على طريقة الشعراء القدماء إذ هي سهام الرموش والعيون الناعسة والخال فوق الخدود الناعمة واللقاءات قرب الغدير أو على التلال بعيدا عن الوشاة حيث عواء الذئب ونوح الحمام وجوى القطاة..

رماني سهم عينيها نبالا

وذبلت العيون الناعسات

وخال فوق مرشفها عطير

شذى كالخدود الناعمات

وما زلنا بصدر بعد ورد

بعيدا عن عيون واشيات

وفي التل القريب عواء ذيب

ونوح حمامة وجوى قطاة.

وهو حين يلبس عباءة الماضي يفتش عن مفردات تليق بتلك العباءة كلاظية الجحيم والخود الحسان وغنج البغوم ..تلك المفردات التي كانت تمر على أجدادنا في سياق كلامهم واضحة في حين نحتاج اليوم إلى معجم للوصول إلى مع فكي إسار النهد واشتعلي بلاظية الجحيم هذي الحياة ربيعها .. خود تلالا كالنجوم

وسلافة من عهد عاد .. زانها غنج البغوم .

لكننا نراه في صور أخرى يحلق عاليا في فضاء العبارة الشعرية بلغة سهلة ناعمة بسيطة كقوله.

أنا يا شام الهوى أنشودة .. في مروج الحب لماح الضياء

أنا شعر وعتابا وصبا.. بل مزامير تغني للوفاء

ورغم وجود بعض القصائد المتحررة من الشكل العمودي التقليدي إلا أنها تحمل نفس مضامين القصيدة العمودية لديه وكأن القصيدة بدلت الملبس دون أن تمس الجوهر إذ يحافظ الشاعر على طريقته في ترصيع القصيدة بمفردات صعبة بل وعرة مثل غاشية الدهور والحزون وغيرها في نص يتماوج بين المباشرة والإيحاء كقوله..

قلبي يقول بأنه الزمن الأخير

يوم القيامة والنشور

وزوال أشباح الظلام

وظل غاشية الدهور

إني رأيت الشمس تشرق من جنوب

للزاحفين على الحزون.

الشاعر الحمود لا يعتبر نفسه منتميا لعصر من عصور الأمة العربية فالجراح واحدة عبر العصور منذ حرب البسوس مرورا بوحشي قاتل حمزة حيث التاريخ يعيد نفسه وأحقاد القبيلة عادت إلينا ليقول في ذلك..

لا تسألني من أنا ولأي عصر أنتمي

أنا من عبير الجرح صيغت قصتي وتألمي

جساس عاد لقوسه وبقوسه الغدر الظمي

وحشي أفرغ حقده في ظهر حمزتنا الكمي

أعرفت أن بنيك عادوا للعشيرة والدم.

وتشغل الأحداث الأليمة التي مر بها الوطن الغالي سورية جل المجموعة فالشاعر في أغلب قصائده يتألم لما أصاب الوطن من غدر داخلي وخارجي الأمر الذي خيب الآمال وقتل الأحلام وكسر الشباب ولم يترك جميلا في هذا الوطن الجميل ..

غالوا شبابي وغالوا في المدى وطني

والذكريات وغالوا في الدجى قمري

هدوا كياني وأحلامي وساريتي

بل أسلموني بلج البحر للتتر

بل عاقبوا الحب إذ يسري بأوردتي

وعاقبوا الزهر في قلبي وفي شجري.

مجموعة الشاعر الحمود متباينة على كل المستويات ممتدة بين لهيب شمس الماضي وظلال الحاضر .. بين المباشرة والعمق وبين التقليد والإبداع … وهي لا شك تجربة شعرية جميلة من شاعر يحمل في ضلوعه أجمل المعاني نحو الوطن المدينة والوطن الريف والوطن المرأة.