غضب الأرض.. بقلم: رشاد أبو داود
تحليل وآراء
الخميس، ١٤ سبتمبر ٢٠٢٣
خيام زرقاء، الفراغ فراش، والشجر ملاذ. ناموا بملء جفونهم أو سهروا في مطعم على الشاطئ. فجأة يهتز كل شيء، تسقط أسقف وتنهار حيطان.. إنه الزلزال.
يهرع الناس إلى الخارج، أي خارج، حتى لا تسقط عليهم أعمدة المبنى أو سقف البيت الأسمنتي. ثمة من يسعفه الحظ ويلحق قدره بالنجاة، ومن كان قدره الموت فتحت الأنقاض «وجعلنا لكل موت سبباً». أما من ما زال نصف حي ونصف ميت فإنه ينتظر رجال الإنقاذ والمسعفين. يحفرون في الكتل الأسمنية بأدوات بدائية حتى تصل المعدات الحديثة.
قد ينقذونه ولكنْ إما كسور في العظم أو جروح في الرأس أو الرقبة أو في غيبوبة ولكن يتنفس. منهم من أمضى «تحت» ساعات أو يوماً وليلة. لا ماء ولا طعام ولا ضوء. ظلام في ظلام. وبصيص أمل بالحياة.
أمام مشاهد الدمار والخراب يتذكر الإنسان إنسانيته. تختفي العداوات والخلافات بكل أشكالها وأدواتها ويتسابقون دولاً ومنظمات إنسانية ومؤسسات مجتمع مدني إلى دولة المغرب التي ضربها الزلزال العنيف. فرق إنقاذ من دول شقيقة وصديقة. عمال من مختلف الجنسيات توحدت جنسياتهم أمام «الكارثة». يعملون بقلوبهم قبل أيديهم، وبنخوتهم يعملون على إنقاذ إخوتهم في الإنسانية.
يفرحون كلما أنقذوا عجوزاً وطفلاً ورجلاً كتبت له الحياة، كأنما يلدونهم ويبعثونهم من جديد. تزول مع الفرح مظاهر التعب. مضنٍ عملهم وسط الدمار، إنها المخاطرة بحيواتهم من أجل إنقاذ حيوات من دمر حيواتهم الزلزال.
زلزال المغرب الأعنف بعد زلزال تركيا في فبراير الماضي والذي امتد إلى مناطق في شمالي سوريا المجاورة وتأثر به نحو 15 مليون شخص منهم 52 ألف قتيل، حسب تقرير الأمم المتحدة.
يقول العلماء إن الزلازل تحدث بسبب حركة الصفائح التكتونية وهي أجزاء من قشرة الأرض حينما تحتك حوافها ببعضها بعضاً تطلق طاقة على شكل موجات زلزالية. وقد يحدث ذلك برمشة عين في أي مكان على الأرض من دون سابق إنذار أو تحذير. ولم يتمكن العلماء حتى اليوم من حل لغز توقيت الزلازل ولكن لماذا تتحرك هذه الصفائح؟
يقول بعض العلماء إن السبب عبث الإنسان بالأرض وقد أوجعها. وها هي الزلازل تعيد ترتيب نفسها على الشكل الذي وجدت عليه أول الخلق.
إن ما تعرضت له مدينة درنة الليبية من أمطار وصواعق وفيضانات وسيول طمست ربع المدينة وقتلت وأصابت الآلاف من سكانها، كما هدمت آلاف المنازل وجرفت بعضها إلى بطن البحر، لا يقل كارثية عن زلزال المغرب الذي وقع قبلها بيومين.
إنه أيضاً عبث الإنسان بالطبيعة. ثقب الأوزون، ولا ندري صحة ما يقال عن اللهب الأزرق الذي ظهر في سماء تركيا والمغرب قبل لحظات من الزلزال وعن غيمة كبيرة أيضاً ظهرت بالشكل نفسه في سماء البلدين.
البلدان ليسا استثناءً من الكوارث الطبيعية فقد أعلنت الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي أن الولايات المتحدة شهدت 23 كارثة من عواصف وفيضانات وأعاصير وحرائق غابات كلفت مليار دولار منذ بداية السنة الحالية 2023. وهذا أكبر عدد مسجل في سنة في تاريخ البلاد.
العام الماضي خسرت دول العالم 270 مليار دولار نتيجة الأضرار التي خلفها التغير المناخي إلا أن خسائر النصف الأول من العام الحالي تزيد على 110 مليارات دولار وفقاً لمؤسسة إعادة التأمين «ميونيخ ري».
ثمة من يؤمن بنظرية أن ما حصل وسيحصل في بلدان أخرى من كوارث طبيعية ما هو إلا من يد الإنسان.
ليعتقد كل واحد بما يريد ولكن ما نراه مشاهد محزنة مأساوية لبشر ينامون بسلام ويصحون على كارثة!