«قيصر» يستنفر المنطقة.. بقلم: بشارة مرهج
تحليل وآراء
الثلاثاء، ٩ يونيو ٢٠٢٠
إذا كانت جامعة الدول العربية قد استقالت من مهامّها القومية فالثقل يقع على بلدان المنطقة
قانون «قيصر» الذي شرّعه الكونغرس الأميركي، ووقّع عليه الرئيس دونالد ترامب لمحاصرة سوريا وحلفائها وأصدقائها، ليس جديداً، وإنّما هو حلقة جديدة في سلسلة القرارات الأميركية الجائرة بحقّ سوريا والمنطقة. وإذا كان هذا القانون سيوضَع موضع التطبيق، خلال أيام، فلا يجوز بأيّ حال من الأحوال التقليل من شأنه، أو التعامل معه إعلامياً وسياسياً فحسب، ذلك أنّ هذا القانون هو عدوان سافر على الشعب السوري ودولته واقتصاده، ويستهدف، في ما يستهدف، إخراج سوريا من دائرة المقاومة، وفكّ تحالفها مع أصدقائها وتشديد الحصار عليها، وحرمانها من الحاجات الأساسية، تكنولوجياً وصناعياً ومالياً وغذائياً. هذا إضافة إلى جعلها تلهث وراء الرغيف والدواء والغاز والمحروقات، تماماً كما حصل مع الشعب العراقي عندما حاصرته واشنطن، بالتعاون مع تل أبيب، لعقد ونصف عقد من الزمن، ومنعته من الاستيراد والإعمار أو تدوير عجلة الاقتصاد.
كذلك، يشبه هذا الحصار، أو بالأحرى هذا الهجوم، ما تعرّضت له مصر بزعامة جمال عبد الناصر، عندما منعوا عنها السلاح وحرموها من قرض البنك الدولي المخصّص لبناء السد العالي، وجمّدوا لها المساعدات الغذائية، وحاولوا تجفيف المال المصري في المصارف، وشلّ الحركة التجارية، كي ترضخ للإملاءات الأميركية الإسرائيلية الغربية. وقد ردّت مصر، يوم ذاك، بكسر الحصار على كل الجبهات، عن طريق التواصل مع كتلة دول عدم الانحياز والكتلة الشرقية، وبدعم هائل من الشعب العربي، الذي انتفض من المحيط إلى الخليج، دفاعاً عن الحقوق العربية، فأغلق الموانئ في وجه السفن الأميركية، وقطع أمدادات النفط، وقاطع البضائع والسلع الأجنبية، ما شكّل ضغطاً هائلاً على كلّ من واشنطن وتل أبيب وحلفائهما من الأجانب والعرب، وفتَح الطريق نحو توازنات جديدة في المنطقة لصالح حركة التحرّر الوطني والأممي.
من جهة أخرى، فإنّ من يظنّ بأنّ ما يمسّ سوريا يمسّها وحدها، فهو مخطئ بسبب ترابط وتشابك المصالح بين لبنان وسوريا. وليس جديداً القول إنّ لبنان سيكون في طليعة المتضرّرين من «قيصر» وجماعته وإجراءاتهما، إذا أخذت طريقها إلى التنفيذ.
أولاً، لن يتمكّن لبنان من المشاركة في عملية الإعمار في سوريا، لأنّ العملية ستضمر حكماً، ولأنّ العقوبات ستكون بانتظار من ينقل مالاً أو معدات للعمل هناك.
ثانياً، ستتضرّر حركة نقل البضائع والسلع من وإلى لبنان، ومعها المزارعون والصناعيون والتجّار والموانئ والشاحنات والسائقون والمنظومة المالية المصرفية أيضاً.
ثالثاً، ستتراجع حركة التبادل التجاري بين لبنان والبلدان العربية، ما يلحق أفدح الأضرار بلبنان واقتصاده المأزوم.
رابعاً، على الأرجح، سينحسر الطلب السوري من الأسواق اللبنانية، وخصوصاً أنّ الإجراءات الأميركية ستكون متشدّدة، ما يفاقم الأزمة اللبنانية ويمنع عنها التنفّس من الرئة السورية بالاتجاهين.
لكلّ ذلك، وبمواجهة هذا العدوان المتصاعد على سوريا وحركة المقاومة في المنطقة، لا بد من التفكير بشمولية وتكاملية على صعيد المنطقة المعرّضة كلّها للجوع والاستباحة، وخصوصاً أن قانون «قيصر» الموصى به صهيونياً، يُطبّق بالتزامن مع تصعيد الضربات الجوية الإسرائيلية، وتصعيد حركة الاستيطان التي تستهدف تهجير الشعب الفلسطيني وتهويد أراضيه.
وإذا كانت جامعة الدول العربية قد استقالت من مهامّها القومية، فالثقل يقع على بلدان المنطقة ــــــ العراق، سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين ـــــ وقواها الشعبية الفاعلة التي ينبغي عليها استلهام تجربة مصر عام 1955، والمبادرة للتنسيق في ما بينها على الصعد الاقتصادية والمالية والأمنية والعسكرية، للردّ على هذا العدوان الكبير الذي يستهدف المنطقة وكلّ دولِها وشعوبها ومؤسساتها. فالحاجة، اليوم، هي أكثر ما تكون للمقاربة العربية المشتركة، كبديل عن المقاربة القطرية الانعزالية ـــــ المحكومة بالفشل قبل أن تبدأ.