كارل ماركس
نجم الأسبوع
الأحد، ٣١ يناير ٢٠٢١
فيلسوف ومفكر سياسي واقتصادي وعالم اجتماع، ألَّف العديد من الكتب في مجالات الفكر والفلسفة والسياسة والاقتصاد. عُرِف بتصوره المادي في قراءة التاريخ ونقده للرأسمالية، كما اشتهر بنشاطه الثوري في صفوف الحركة العمالية.
المولد والنشأة
ولد كارل ماركس يوم 5 مايو/أيار 1818، في مدينة ترير التابعة يومئذ لمملكة بروسيا، الواقعة شرق ألمانيا حاليا، وهو الابن الثاني في أسرة ميسورة الحال تنتمي إلى الطبقة الوسطى، وتتكون من تسعة أبناء.
ينحدر أبوه "هاينريش ماركس" من عائلة يهودية ضمَّت العديد من الحاخامات وتجار مزارع الكروم. اضطر الأب إلى اعتناق البروتستانتية سنة 1816 من أجل التمكن من ممارسة مهنة المحاماة بعد صدور قوانين تمنع ولوج اليهود إلى الوظائف العمومية في ألمانيا، وحوَّل اسمه من "هرشل" إلى "هاينريش".
أما الأم فهي "هنرييت برسبورغ"، تنحدر من عائلة يهودية هولندية، وقد بقيت على يهوديتها حتى وفاة والدها الحاخام، ثم اعتنقت المذهب اللوثري عام 1825.
الدراسة والتكوين
تلقى ماركس تعليمه الثانوي بمدينة ترير، وانتقل إلى بون عام 1835 لدراسة القانون، ثم إلى برلين في مارس 1836 لدراسة التاريخ والفلسفة بجامعة فريدريش فيلهلم، وشرع في إنجاز أطروحته للدكتوراه عام 1839 حول الفلسفة الإبيقورية، وعمل على دراسة جوانب الاختلاف بين الفيلسوفين ديموقريطس وإبيقور. وقد تخرج بدرجة الدكتوراه سنة 1841 من كلية الفلسفة بجامعة يينا، وهي من أعرق الجامعات الألمانية.
التوجه الفكري
تأثر ماركس في بداية حياته الجامعية بالفلسفة الهيغلية (نسبة إلى الفيلسوف الألماني جورج فريدريش هيغل)، حيث كان يتردد على حلقات الهيغليين الشباب في برلين، لكنه ما لبث أن تأثر أثناء إعداده لرسالة الدكتوراه بالفلسفات المادية، وكانت النزعة الإلحادية ونقد الدين يطبعان نقاشاته الفلسفية مع صديقيه موزس هس وبرونو باور المتأثرين بأعمال الفيلسوف المادي لودفيغ فيورباخ.
تَعَرَّف بعد ذلك في فترة إقامته في باريس على أفكار الاشتراكيين الفرنسيين مثل سان سيمون، وشارل فوريي، وبيير جوزيف برودون. وقد ساهم كل ذلك في تحوله من المثالية الهيغلية إلى المادية، ومن الديمقراطية الثورية إلى الشيوعية الثورية.
الوظائف والمسؤوليات
عمل كارل ماركس محررا في صحيفة الراين، وتولى رئاسة تحريرها في أكتوبر/تشرين الأول 1842، لكن الجريدة مُنعت من الإصدار في بداية 1843، ثم عمل بعد ذلك بسنوات مراسلا لصحيفة "نيويورك تريبيون"، وقضى الجزء الأهم من حياته في التأليف والكتابة.
اعلان
تولى رئاسة فرع الرابطة الشيوعية في بروكسيل سنة 1847، وأسس جمعية العمال الألمان بالمدينة نفسها، وعمل بِمَعِية صديقه فريدريك إنجلز على صياغة بيان الحزب الشيوعي بتكليف من المؤتمر الثاني للرابطة الشيوعية، الذي عُقد بلندن نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 1847.
أسس الجمعية الدولية للعمال (الأممية الأولى) عام 1864 لأجل توحيد صفوف الحركة العمالية بأوروبا، وسهر على صياغة رسالتها الافتتاحية، وترأسها من عام 1866 إلى 1872.
التجربة الفكرية والسياسية
بعد نيل درجة الدكتوراه في الفلسفة وتجربة قصيرة في مجال الصحافة، بدأ اهتمام ماركس بدراسة الاقتصاد السياسي أثناء إقامته في باريس سنة 1843، وقد اطلع في هذه الفترة على كتابات أهم المفكرين في هذا المجال مثل آدم سميث، ديفيد ريكاردو، جون ستوارت ميل، وجون باتيست سي.
أنتج ماركس عدة أدوات نظرية وتحليلية، وصاغ جملة من المفاهيم في إطار نقده للمجتمع الرأسمالي ودعوته إلى ضرورة الثورة البروليتارية بُغية التحول إلى الاشتراكية، وسعيه في التأكيد على أن هذا التحول حتمية تاريخية بالإضافة إلى كونه ضرورة.
تحَدث عن مفهوم الصراع الطبقي في البيان الشيوعي، واعتبر تاريخ أي مجتمع هو تاريخ صراعات طبقية، بسبب تضارب المصالح بين الطبقات الاجتماعية، ورأى أن رحى هذا الصراع داخل المجتمع الرأسمالي تدور بين أصحاب الرأسمال المُضطهِدين والعمال المُضطهَدين.
صاغ مفهوم المادية الجدلية انطلاقا من مفهومي الجدلية عند هيغل والمادية عند فيورباخ، ووظفه لكي يقدم تصورا ماديا للتاريخ الإنساني، وشرح مفهوم الاغتراب (الاستلاب) الاقتصادي، الذي يؤدي بدوره إلى اغتراب اجتماعي وسياسي للإنسان وفقا لأطروحته.
كما قدم مفهومه الخاص عن القيمة، والذي طوره انطلاقا من مفهوم القيمة عند الاقتصاديين الكلاسيكيين (سميث وريكاردو)، وأبدع مفهومي فائض القيمة وتراكم الرأسمال اللذين جعلاه يتنبأ بعدم قابلية النمط الاقتصادي الرأسمالي في الاستمرار، وحتمية تحول المجتمع الإنساني إلى النمط الاشتراكي في الإنتاج.
اعتبر ماركس أن فائض القيمة (الذي يُعَرِّفه بأنه قيمة العمل الفائض الذي يستمر العامل في أدائه بعد أن يكون قد أنتج قيمة أجره الذي يتقاضاه) هو استغلال لطبقة العمال من طرف طبقة الرأسماليين.
وأوضح عواقب استثمار أصحاب الرأسمال للجزء الأكبر من فائض القيمة في مراكمة المزيد من أدوات وعناصر الإنتاج على النمط الرأسمالي، حيث تؤدي هذه الدينامية إلى تراكم الرأسمال، ومن ثم إلى مضاعفة القدرات الإنتاجية باستمرار، مما يُفضي إلى حالة من فرط الإنتاج وميل معدل الربح إلى الانخفاض، وتنشأ بذلك أزمات دورية نتيجة لما يعتبره تناقضا داخليا للرأسمالية يُؤْذِن بانهيارها وفقا لرأيه.
المؤلفات
كتب ماركس العديد من المؤلفات، ويعد "رأس المال" أهمها، وفيه يعمد إلى نقد نظريات الاقتصاد السياسي السائدة قبله، وإلى دراسة النمط الرأسمالي في الإنتاج بشكل عميق بهدف اكتشاف القوانين الاقتصادية التي تحكم حركة المجتمع المعاصر.
ومن مؤلفاته كذلك "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي"، "نظريات فائض القيمة"، "بيان الحزب الشيوعي"، "بؤس الفلسفة"، "الأيديولوجيا الألمانية"، "أطروحات حول فيورباخ"، و"المسألة اليهودية".
الوفاة
توفي كارل ماركس في 14 مارس/آذار 1883 بعد عدة أشهر من المرض، ووُرِي جثمانه الثرى بمقبرة هاي غيت في لندن يوم 17 مارس/آذار 1883.