لماذا امتنعت موسكو عن التصويت وسمحت بتمرير القرار 2109 في مجلس الأمن حول اليمن ؟..بقلم: كميل العيد

لماذا امتنعت موسكو عن التصويت وسمحت بتمرير القرار 2109 في مجلس الأمن حول اليمن ؟..بقلم: كميل العيد

تحليل وآراء

الأحد، ١٩ أبريل ٢٠١٥

الإعلام الخليجي والسعودي طبّل وزمّر لهذا القرار وحاول إظهار الموقف الروسي في مجلس الأمن وعدم عرقلة موسكو لمشروع القرار بأنه انتصار للدبلوماسية الخليجية والسعودية والتي عزاها السعوديون إلى اللقاءات المتعددة التي جرت في الرياض بين وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان والسفير الروسي أوليج أوزيروف في قصر العوجا. فيما يعتبر الخليجيون بأن اللقاءات التي تمت في نيويورك بين ممثليهم والمندوب الروسي هي التي أدت إلى الانتصار الخليجي وامتناع موسكو عن استخدام حق النقض الفيتو ضد المشروع الذي أصبح قرارا".
 فهل حقاً نجحت الدبلوماسية الخليجية والسعودية؟.
هل الدبلوماسية الروسية من السذاجة بحيث لَعبت عليها دبلوماسية عرب أميركا وأبعدتها عن إيران واستدرجتها إلى تمرير هذا القرار؟.. إن القارئ والمتابع لما يجري ومن يقرأ ما بين السطور يدرك بأن روسيا لن تنسى الحرب الاقتصادية التي شنّت عليها وكانت أدواتها الرئيسية السعودية والكويت والتي تمت بإيعاز أميركي كما قالت صحيفة “برافدا” الروسية في نيسان من العام الماضي عشية زيارة الرئيس الأميركي إلى الرياض،حيث ذكرت أن ” الرئيس الأميركي باراك أوباما أقنع ملك السعودية بتنسيق الإجراءات في سوق النفط لخفض أسعاره العالمية الحالية التي تعد المصدر الرئيسي لعائدات التصدير الروسية، لمعاقبة روسيا في سلوكها تجاه أزمة شبة جزيرة القرم. وبالفعل أغرقت السعودية السوق العالمية بالنفط ما أدى إلى انهيار أسعاره والذي بدوره أدى إلى إلحاق الخسائر الفادحة بالاقتصاد الروسي وانهيار العملة الروسية (( الروبل)) أمام الذهب والعملات الرئيسية.
 ليست روسيا من النوع الذي ينسى عدم مراعاة المصالح الروسية من قبل دول الخليج والتي تضررت بشكل لافت بسبب سياسات هذه الدول تجاه المصالح الروسية.
إن تمرير القرار 2109 الخاص باليمن من قبل موسكو والتراخي أو الانكفاء الإيراني الظاهر للرأي العام ليس تراجعاً أو هروباً وإنما هو إعادة وضع وصياغة استراتيجيات جديدة تأخذ الواقع الحالي بعين الاعتبار ولاسيما بعد بدء ما سمي بعاصفة الحزم وبعد الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية وهذه الاستراتيجية بتقديري تقوم على مجموعة من الأسس منها:
1- استدراج عرب أميركا للانتحار الجماعي في اليمن وبالتالي إجهاض الكثير من المخططات الأميركية في المنطقة وإرباكها
2- استنزاف قوى عرب أميركا في معركة عبثية ستضطر إلى دفع ثمن ايقافها ووقف الدعم التي تقدمه هذه الدول للمجموعات المسلحة التي تسعى لاستنزاف محور المقاومة بمعارك هامشية.
3- دفع الأمور باليمن نحو الاستقرار وإعاقة سباق التسلح وإيقافه أن أمكن ذلك في منطقة الخليج حيث تسعى الولايات المتحدة لتنشيطه من خلال صفقات السلاح مع السعودية ودول الخليج بغية نهب ثرواتها.
 4- إجهاض التآمر السياسي الأوروبي الأميركي على المنطقة والذي خلق الصراع المذهبي الإسلامي السني الشيعي ليصبح هذا الصراع هو القطار الذي يدوس على القدرات العربية والإسلامية ويستنزفها.
5- عدم الانجرار وراء معركة “تكسير العظام” التي تكشر فيها الولايات المتحدة عن أنيابها الاقتصادية والعسكرية وتوجهها هذه المرة إلى اليمن.
 وفي هذا السياق لا بد من الوقوف أمام البند 10 من القرار 2109 الصادر عن مجلس الأمن والذي ينص على:
"" يدعو جميع الدول الأعضاء إلى الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يسعى إلى إثارة النزاع وعدم الاستقرار وبدلاً من ذلك دعم الانتقال السياسي ""
 وطبعاً هذا البند سلاح ذو حدين ستستخدمه روسيا عند الحاجة بما في ذلك ضد دول عاصفة الحزم.
 إن القارئ للسياسات الروسية يدرك بأنه لا يمكن للحكومة الروسية أن تغفر لعرب أميركا تسببها لروسيا بخسائر تجاوزت 100 مليار دولار في عام واحد في قطاع الطاقة الذي يشكل 70% من قوتها الاقتصادية، وان تمرير القرار 2109 المتعلق باليمن من قبل روسيا ومن دون ضجيج من محور المقاومة ليس إلا لإعادة رسم الاستراتيجيات وفق المصالح المتجددة في ضوء الاتفاق النووي بين إيران والغرب.