لنؤمن بقضايانا
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ١١ أبريل ٢٠٢٣
المشهد مزدحم سياسياً واقتصادياً، ومنفلت كثيراً اجتماعياً رغم توافر الصور الهادئة في المظهر، وضمنه تتحرك التداخلات لدرجة القول ماذا يجري، وماذا يأمل منه الناس كافة؟ ورغم النواتج الإيجابية للزلزال القدري والتي غطت على مخرجاته، إلا أن التناقضات بين هذه القضايا أثارت الحيرة إلى حدٍّ كبيرٍ، وأوجدت تيهاً عند الناس بين السياسي والإيديولوجي بأقسامه الديني والعلمي والعلماني، بحكم انتشار الاضطراب والقلق، وشعورهم بحدوث الاستنزاف المستمر للموارد والأفكار وذهابها إلى الفراغ، لا إلى السير نحو الأفضل، فالدعاة الدينيون مع طبقة المديرين وأصحاب المصالح الخفية شكلوا ضغطاً غير مرئي على السياسة التي تقوم على الوطنيين والمبدعين من فلاسفة وأدباء وفنانين، هؤلاء الذين يرسمون ثقافة تعتبر أساساً لأي حكم، ومن دونهم تفتقد الحدود حضورها، والعلوم إبداعها، والحب نشوته، ويتراوح الجمع عندما تنظر إليه بين الجد والهزل، والعلل والمرض، وترى الخلط قائماً بين الحرفة والهواية، والوقت المنتج والفراغ، وبذلك يضيع الكثير من الإنجاز، وإن حدث وكان فسيكون بلا دقة أو إنهاء خلاق.
هل يمكننا أن نتحاور بلا عنت أو تزمّت؟ أم نبقى ممارسين لعبث الهواة؟ يمرّ الوقت بين السخط أو المسايرة التي لا تفضي إلى أي نتيجة، وبحثنا في هذا كي نصل إلى المهم، وتأكيد وجهات النظر التي تتفق معكم بضرورة لملمة جواب الفكر قبل الدخول إلى مقتضياته، وتحديد ماهية ما نريد من الحياة، وإلى أين نريد أن نذهب معها، وفهم الفرق بينها وبين العيش وتوءمة المسير والمصير.
دعونا نفتح باب الفكر الذي أغلق على الفكر العربي الإسلامي لعشرة قرون وأكثر، ما أدى إلى افتقاره لمقومات العلوم، وفقدانه لنواصي الفنون وارتكاز آدابه على النقل أو التقليد الذي أدى إلى انتشار الشهوات والنزوات والهوى الغريزي، هذه التي وضعت النير على رقاب التطور والقيود المؤثرة لمنع التحرر من الجهل والوهم والخرافة، والتي تزيد القيود، ولا تعمل على فتح السجون، فقتلت التحرر بذلك، وأخّرت بناء العقول، وإن إيجاد الخطط ووضعها ضمن مسارات منطقية لإيصال التحرر إلى ما يريده من نتائج تؤدي إلى خلق الشجاعة والجرأة العاقلة، التي تحفّز على النجاح، وتقول لا للعودة إلى القيود التي تظهر دائماً بذور العصيان، حيث يشير إلى نشوء العنف، وإذا حدث فهذا يعني أن السياسة تسلل إليها المرض، من خلال ردود فعلها التي تأخذ شكلاً عدوانياً، والعدوانية مرض الإنسانية، فالحياة تساوي أشياء كثيرة، مادية كانت أم لا مادية، ومهمة وجود الإنسان فيها استثمار هذه الحياة بأشياء تتيح له البقاء إلى أكثر مدى ممكن، أو إلى ديمومة الخلود بالأثر بعد رحيل الجسد.
من الضرورة أن نجري مراجعة لواقعنا، والأهم أن نتجه بعد معرفة الخلل لعلاجه، فالذي نشهده في عملية التقدم مهم، شريطة ألا نتجاوز الأخطاء، وألا نقفز من فوق الهوات التي أحدثت شروخاً هائلة في الروحانيات والماديات، وأهمها انهيار ثقافتنا لدرجة كبيرة، وانحدار فنوننا إلى درجة خطيرة، هل ندرك ذلك؟ فقد غدونا كمن يتغطى بقشة، لذلك من المهم جداً الإصلاح الداخلي الذي يزيد مناعة الدولة، ويحصنها وهو ضروري، وخاصة بعد أن تجاوزنا ما أطلق عليه الربيع المزعوم، شريطة أن يحمل إستراتيجية متكاملة الأبعاد، تمتلئ بالطموح الاجتماعي والحل الاقتصادي بشقيه التجاري والإنتاجي، وهذا يتحقق بخلق تحالف وثيق بين هذه الفعاليات، تديره السياسة التي ينبغي أن تحمله مفاهيم التعامل مع التحديات والتهديدات الخفية والظاهرة، وأهمها الطارئة، ويكون ذلك من خلال شبكة من مراكز بحوث رسمية، وخاصة تتابع حركة المجتمع والأسواق، وتقوم إلى جانب ذلك بتوليد الأفكار التي تساعد الواقع مع النظرات المستقبلية، فإذا كان وعُبِّئت الموارد، حولت الكل إلى منظومة متكاملة، سهلت تحقيق أهدافها، وفي رأيي بجهودٍ كهذه يتحقق أمن الدولة ومصالحها العليا والدنيا.
د. نبيل طعمة