ما سرّ مشروع تنمية سفح جبل قاسيون؟
الأزمنة
الثلاثاء، ١١ أكتوبر ٢٠١١
سبق وأن قامت محافظة دمشق بتحذير الناس القاطنين في مناطق سفح قاسيون - وهي سفح قاسيون الجنوبي الشرقي وسفح المهاجرين ومنطقة ركن الدين (الشيخ خالد) والشيخ محيي الدين - من احتمال حدوث كارثة انهدامات في هذه المناطق ورأت أنه من الأولوية إخلاء بعض القاطنين القريبين من مناطق الخطر، وبالوقت الذي أعلنت فيه وزارة الإدارة المحلية أنها بصدد دراسة مشروع لتنمية سفح جبل قاسيون بهدف الحفاظ على حياة الناس في المنطقة خوفاً من كارثة انهيارات, بالإضافة إلى تطوير المنطقة وإمكانية الاستفادة منها سكنياً واستثمارياً وسياحياً، وتأكيد الجهات المعنية بأن المشروع عبارة عن دراسة معدة لتطوير المنطقة تمت من خلال مسح اجتماعي جيولوجي هدفه بالدرجة الأولى تأمين حماية القاطنين في تلك المنطقة نظراً لاحتمال تعرضها لانهدامات وذلك لوجود خط انهدام رئيسي وخط انهدام فرعي والعديد من التكهفات والمغاور لمنع حوادث الانهيارات، إلا أن قاطني هذه المناطق يشككون في صدقية هذه التصريحات ويعتبرون أن حجة الانهدامات ورقة يلعب بها القائمون على المشروع لتبرير إقامة مشروعهم الذي وصفوه بالتجاري لخدمة فئة من المنتفعين.
وجهاً لوجه
عندما توجهنا للقاء الأهالي القاطنين في بعض هذه المناطق لم نشعر من خلال حديثهم معنا أن هناك ثمة خطر يحيط بهم، تُرى هل لأنهم يعيشون بأمان- فعلاً - في هذه المناطق منذ زمن بعيد؟.. أم إنهم ماهرون بإخفاء حقيقة مشاعرهم خوفاً من تكريس فكرة إخلائهم من بيوتهم وعدم إيجاد البديل؟..
أبو خالد من سكان الشيخ محيي الدين أكد أن المنطقة آمنة جداً ولا يريد بديلاً عنها مؤكداً أن الخطر انزاح عنها تماماً نتيجة عمليات الردم التي حصلت من قبل الأهالي والذين كانوا يستخدمون المواد ذات النوعية الجيدة لتلافي الخطورة التي يتكلمون عنها في هذه المنطقة.
فيما تدخل أحد الأهالي قائلاً: ما هذا الخطر الذي يهدد حياتنا نحن نعيش بأمان منذ زمن طويل ولم نتعرض لأي مكروه، باستثناء تسرب المياه من القساطل الممددة تحت بعض البيوت الأمر الذي يسبب انجرافاً للتربة والحجارة في أيام الشتاء، وحلاً لهذه المشكلة قام الأهالي بوضع قساطل المياه فوق سطح الأرض لكي لا يحصل أي تسرب قد يسبب الخطر، هذا كل ما في الأمر.
أحد الأهالي تساءل مشككاً بالتصريحات التي تصدر من قبل الجهات المعنية: لماذا لم تخضع منطقة جبل قاسيون للدراسات الجيولوجية التي يتكلمون عنها منذ أربعين عاماً؟.. أعتقد أن كل ما يقال عن خطورة هذه المنطقة ليس له أساس، هم يريدون إخلاء المنطقة من السكان البسطاء والفقراء لإقامة المشاريع السياحية والتجارية، ولا يهمهم ماذا سيحل بنا وأين سنقيم.
أحدهم رد قائلاً سيتمّ تعويضنا بالسكن البديل في منطقة معربا، لأنها المنطقة الأكثر قرباً من هذا الجبل ولكن نحن نفضَّل السكن في هذه المناطق من جبل قاسيون، لأنها قريبة من مركز المدينة والخدمات متوفرة بشكل كبير من كهرباء وماء وهاتف ولن نتنازل عن هذا الموقع الاستراتيجي إلا إذا عوضونا عنه بمثله.
إن المنطقة، من خلال ما بيَّنته فرق الدراسة الجيولوجية والصور الجوية، عبارة عن هضبة مستقرة، سفحها في الأعلى غير مستقر، نتيجة وجود كهوف ومغاور وصخور متشققة قد تتعرَّض للهبوط والانزلاقات في أي لحظة، لاسيما فوق الاستراحات، بسبب البعد عن حافة الهضبة، فمنطقة قاسيون ستخضع للتنظيم، وستقام عليها عدة استثمارات (سياحية، تجارية، ومشاريع إسكان متميز)، وستخدّم بالشكل المطلوب، حيث ستقام في المنطقة مراكز للشرطة ومركزان اجتماعيان وآخران للبيئة، وستربط الشوارع ببعضها بغاية التوسع، هذا ما ذكره أحد السكان وتساءل ساخراً: "يعني بس ينظموها رح ينزال الخطر"؟!..
فيما تخوف أحد المشاركين بالحديث تاركاً الأمر عائداً لمشيئة الله فقال: السفح الأعلى للجبل غير مستقر نتيجة قيام المنطقة على كهوف ومغاور وصخور متشققة قد تتعرَّض للانزلاقات والهبوطات في أي لحظة ولكن سنترك أمرنا لله عز وجل ولا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
رأي آخر أشار إلى أن خطة المحافظة بتنفيذ مشاريع طرقية وتنموية قديمة جداً، وعمرها 20 عاماً، والآن عادت لتطرح من جديد، حيث تبدأ من منطقة ابن النفيس إلى منطقة المهاجرين لقد أنذرتنا المحافظة منذ فترة بإخلاء هذه المناطق ووصفتها بمناطق الخطر، ولكن أين المكان والسكن البديل الذي سيعوض آلاف القاطنين في مناطق هذا الجبل فالغالبية العظمى من سكان دمشق تعيش على أكتافه؟.. وماذا عن عملية التعويض ونوعية المسكن الجديد وخدماته؟..، فمن يملك طابقين أو منزلاً كبيراً في الجبل، هل سيحصل على شبيه له في هذه المساكن البديلة وبنفس الخدمات المتوافرة لهذه المناطق؟..
عدد كبير من المخالفات
معاون مدير مديرية التنظيم والتخطيط العمراني بمحافظة دمشق المهندس جمال اليوسف قال: معظم المخالفات الممتدة من المهاجرين باتجاه الشيخ محيي الدين حتى ابن النفيس واقعة على أراضي مستملكة ضمن استملاك جبل قاسيون، ويوجد عدد كبير من المخالفات في هذه المنطقة حسب مصور عام المدينة، حيث يوجد طريق يخترق المنطقة في آخر خط المهاجرين حتى ابن النفيس لربط محور غرب المدينة مع شمالها الشرقي، كما يوجد عدد كبير من الإشغالات السكنية ضمن مسار الطريق تزيد عن 4500 إشغال سكني وهذا السبب الرئيسي الذي يعيق تنفيذ هذا الطريق لعدم توفر السكن البديل، ويوجد توجه لتنفيذ جزء من الطريق من المهاجرين حتى سلمية لتحقيق حل مروري وتخفيف الازدحام عن طريق المهاجرين (السكة) وهو بطول 1000م تقريباً وهو جزء من الطريق الرئيسي المذكور سابقاً حيث تم جرد الإشغالات الموجودة وتم توجيه إنذارات (155 إنذار) على أن يتم تخصيصهم بشكل بديل في مساكن برزة ضمن مسار الطريق المتبقي.
وبالنسبة لموضوع تطوير وتجميل وتأهيل محور الشيخ محيي الدين في منطقة الشيخ خالد يوجد مشروع قيد الدراسة لتطوير المنطقة لتقديم الخدمات الأساسية لها وتحسين البنية التحتية بقرار المكتب التنفيذي رقم /858/ م.ت بتاريخ 17/8/2011 وذلك ضمن مشروع تحديث الإدارة البلدية (مام) بالتعاون مع وزارة الإدارة المحلية.
وأضاف: يخترق منطقة المخالفات المهاجرين خط الفالق الجيولوجي وتتوضع فوقه مجموعة من الأبنية والإشغالات، وهي منطقة عدم استقرار جيولوجي خطيرة جداً ومعرضة للانهيار وسيتم البحث بمنطقة سكن بديل إما في معربا أو في أماكن أخرى في حال توفر ذلك ولن يتم إزالة أي إشغال سكني دون تأمين السكن البديل، وذلك حسب لجنة التحقيق المخصصة لهذا الغرض عن طريق الكشف على هذه الإشغالات، وتحديد الاستحقاقات حسب الوضع الراهن من حيث الشاغلين (عائلة أو أكثر) ومن حيث المساحة سيتم التعويض بما يناسب وحسب المتوفر.
تجنب إعادة الإشغال
اليوسف أشار إلى أن خطة المحافظة تضمنت معالجة المنطقة حول خطوط الفالق كأولوية أولى لخطورتها الجيولوجية عن طريق إزالة الأبنية الموجودة في هذه المناطق الخطرة وإخلائها من السكان واستخدام المنطقة كفراغ مفتوح تختلط فيه المعالجات التخطيطية بين المناطق الخضراء البسيطة الملائمة للمناطق الجافة وساحات عامة وملاعب رياضية، وإيجاد تخطيط مناسب للمناطق عالية الخطورة، وتحديد استخدامات ترفيهية محتملة فيها لتجنب إعادة الإشغال العشوائي في المنطقة المفرغة، وحيث أن الخطورة في الجبل تمتد على طول الوجه الشمالي من الفالق السفلي الأمر الذي يستوجب نقل العائلات من هذه المنطقة إلى مواقع آمنة باعتبارهم واقعين تحت خطر جيولوجي.
وعن تشكيك بعض الأهالي من أن هدف الإخلاء هو لإقامة المشاريع السياحية والتجارية لمصلحة فئة معينة من المنتفعين رد اليوسف: لا أحد يستطيع أن يشكك بأن المناطق خطيرة, فالدراسة والمسح الجيولوجي الذي أجري مؤخراً يثبت وجود فوالق وخطر على حياة السكان, كما أن من حق الإدارة البلدية العمل على التطوير والتحديث العمراني وإعادة تأهيل جبل قاسيون كأحد المشروعات المهمة والحيوية لمدينة دمشق، منوهاً أن الدراسة الجيولوجية للمنطقة قد أوضحت أنه يجب وقف الامتداد العمراني والزحف العشوائي لكتل الأسمنت باتجاه سفح قاسيون وخاصة في مناطق الانحدارات القاسية إضافة لوجود منازل بنيت على صخور متحركة وأخرى فوق تكهفات قد تكون مهددة بالانهيار في أي لحظة، واتخاذ الاحتياطات اللازمة من قبل الاستراحات والمطاعم الموجودة عند سفح قاسيون نظراً لوجود كتل صخرية ضخمة متحركة قد تتحرك مندفعة باتجاه الأسفل وتدمير ما يعترضها، كما أوضحت الدراسة أنه يجب أيضاً وقف عمليات البناء في مناطق تجمع السيول في المنطقة وإخلاء ما هو شاغل منها، وعلى هذا الأساس نقول إنه لا يوجد تضخيم للمشكلة بقدر ما هو تنبيه نظراً لرصد هبوطَين على طرفي الفالقين نتيجة حركة المياه الجوفية ورصد حركة زلزالية خفيفة خلال السنوات الخمس الماضية يضاف إلى ذلك الحركات التي تصيب الفالق الرئيسي الممتد من خليج عدن إلى منطقة الأناضول في تركيا والعواقب التي يمكن أن تصيب منطقة الفالقين في قاسيون في حال حدوث أية حركة عليه، مشدداً على ضرورة التحقق من سلامة الدراسات الإنشائية للعديد من الأبنية قبل المباشرة بها, وهذا قد يشكل خطراً حقيقياً في المستقبل على السكان القاطنين.
ثلاثة محاور
اليوسف نوه إلى أن المشروع سيتم تنفيذه على خمس مراحل خلال عشر سنوات، ويهدف إلى تنفيذ الحلول العلاجية وإجراء التحسينات اللازمة في موقع الشيخ محيي الدين والأحياء المحيطة ثم طلعة الشيخ خالد لتنتهي في مقام الأربعين, ويتضمن إزالة جميع التشوهات وتنظيم الواجهات والأرضيات والساحات والمداخل وانسيابية الدخول إلى المقامات والمساجد والأضرحة التاريخية والدينية كجزء من المساحة المستهدفة بالتنظيم لسفح قاسيون والبالغة نحو 3كم2.
وينقسم المشروع إلى ثلاثة محاور: محور ثقافي سياحي ومحور تجاري وآخر بيئي.. وأهم المعالجات التي سيقوم بها المشروع هي معالجة المنطقة بين الفالقين السفلي والعلوي في سفح قاسيون وذلك لخطورتها مؤكداً أن مساحة المنطقة التي سيتم العمل عليها في المرحلة الأولى تمتد أربعة كيلومترات، أما المحور التجاري يبدأ من سوق الجمعة وينتهي عند مقبرة الشيخ خالد، في حين يبدأ المحور السياحي من ضريح الشيخ محيي الدين وينتهي عند مقبرة الأيوبي، ويمتد المحور البيئي من مقبرة الشيخ خالد وحتى خط الانهدام حيث ستتم في هذا المحور إزالة البيوت وتحويل المنطقة إلى ساحات وحدائق مكشوفة وطرقات مع منع البناء في هذه المنطقة، وذلك كونها منطقة خطرة جيولوجياً.
وأكد اليوسف – وحسب الدراسة - أن 80% من معالجات المرحلة الأولى ستكون للسكن الذي سيخصص في منطقة التوسع التي تلي تربة الشيخ خالد، أما النسبة المتبقية لتجميل وتأهيل هذه المحاور ومعالجة الفراغات وتقديم خدمات من شبكات هاتف وإنارة وصرف صحي وطرقات، إضافة إلى صيانة الأدراج فيها، مؤكداً أيضاً أنه لن يتم الهدم إلا في البيوت التي يشكل وجودها خطراً على أصحابها وعلى القاطنين، موضحاً أن عدد العائلات التي تسكن منطقة سفح قاسيون يصل إلى 10640 وعدد العائلات التي تعيش على خط الخطر يصل إلى أربعة آلاف وستين عائلة، وهو عدد العائلات التي سيتم تخديمها في البداية، مبيناً أنه سيتم بناء وحدات سكنية في المنطقة نفسها من أجل إسكان القاطنين الذين ستذهب بيوتهم، لافتاً إلى أنه لن تتم أي عمليات ترحيل لأي عائلة قبل أن تجهز الوحدات السكنية البديلة.
أخيراً
وأخيراً أقول: أتمنى تطبيق كل ما قيل من وعود وتصريحات بخصوص قاطني هذه المناطق، وأن لا تكون هذه الوعود مجرد حقن مسكنة للتخفيف من آلام وأوجاع هؤلاء البسطاء - الذين يسكنون هذه المنطقة قلقين خائفين من حدوث أية انهيارات محتملة وفي أية لحظة - ينتهي مفعولها بمجرد تلبيتهم نداءات الإخلاء.
فريـال أبو فخر