ما وراء مشتريات الذهب
الأزمنة
الاثنين، ٢٧ يونيو ٢٠١٦
ديما محمد
استُخدم الذهب وسيلةً للدفع وللتبادل لفترة طويلة قاربت الألفي سنة، فهو الملاذ الاقتصادي الأكثر أماناً لما يتمتع به من خصائص وميزات لا تملكها العملات والمعادن الأخرى، جعلته مع تطور الاقتصاد أحد أهم أدوات التحوط ضد مخاطر تقلبات أسعار الصرف. وانطلاقاً من قاعدة الذهب التي تقول بأنّ من يملك الذهب يضع القوانين، ومع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الظروف الاقتصادية والسياسية كانت وراء التغيرات التي مرّ بها نظام النقد الدولي حتى وصل إلى وضعه الحالي، فإنّ الاتجاه نحو تخزين الذهب في ظل التغيرات الاقتصادية والتوترات السياسية يعتبر الخيار الأفضل للمستثمرين -أفراداً ودولاً- للحفاظ على استقرار أوضاعهم الاقتصادية.
واليوم تكثر التساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار الذهب في الفترة الماضية واختلال العلاقة بين العرض والطلب على المعدن الأصفر وتحول المستثمرين والبنوك المركزية الكبير نحو شراء الذهب وتخزينه. لذا سيتم فيما يلي تناول أهم الأسباب الدافعة للتحول نحو سياسة المشتري للذهب وليس البائع سواءً من قبل البنوك، المستثمرين الأفراد، أو حتى الدول:
الأسباب الكامنة وراء تخزين الذهب:
الاضطرابات الأمنية والسياسية:
من المتعارف عليه تاريخياً أنّ الطلب على الذهب يتضاعف في ظل الأزمات والتوترات السياسية، ويقبل المستثمرون على شرائه وتحويل مدخراتهم إليه، باعتباره استثماراً مضموناً ومخزوناً استراتيجياً، يحميهم من التذبذب في أسعار الصرف التي تتأثر بالأوضاع الأمنية والسياسية. فكما ساهمت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وما تلاها من غزو أمريكا لأفغانستان والعراق في دعم سياسة التوجه نحو تخزين الذهب، فالأزمات التي تعصف حالياً بالشرق الأوسط وتَمدد الإرهاب إلى العديد من دول العالم، إضافة إلى مخاطر تحول الحروب الإقليمية إلى عالمية، دفعت العديد من المستثمرين نحو شراء الذهب لضمان البقاء عند المستوى الاقتصادي المرغوب. و في هذا الإطار أكدت عدة تقارير دولية أنّ كثيراً من المستثمرين الإقليمين والمحللين في الشرق الأوسط حوّلوا جزءاً كبيراً من استثماراتهم وما يمتلكونه من سيولة إلى الذهب، بسبب التغيرات والأحداث الجارية في المنطقة.
عام 2015م انخفض الطلب على الذهب إثر التسوية اليونانية مع الاتحاد الأوروبي وإعادة فتح البنوك، ما ساعد على استعادة الثقة بأسواق المال العالمية الأمر الذي أدى إلى تراجع الإقبال الشديد على الذهب. بالنتيجة طالما هنالك توترات وحروب و أزمات، سيبقى الذهب الملاذ المالي الأكثر أماناً، وستبقى سياسة تخزينه هي الخيار الأفضل إلى حين الوصول إلى اتفاقات تعيد الاستقرار الأمني والسياسي.
تقلبات أسعار العملات عالمياً:
باعتبار الذهب أهم أدوات التحوط ضد مخاطر التغير في سعر صرف العملات والمخاطر المحيطة بأدوات الدين، فإن هذا يعني أنّ المستثمرين بإمكانهم استخدامه في سوق النقد الأجنبي لتغطية المخاطر الناتجة عن تذبذب أسعار صرف العملات وحرب العملات التي تقودها القرارات السيادية. العديد من الدول تلجأ حالياً لتعزيز احتياطياتها من الذهب بدلاً من العملات الاحتياطية وبالأخص الدولار الذي تعرض لتقلبات حادة خلال الفترة الماضية مع زيادة معدلات التضخم والعجز في الولايات المتحدة الأمريكية. الأمر الذي انعكس بتحول موقف البنوك المركزية من بائعة إلى مشترية، مخالفة بذلك موقفها السابق في الفترة الماضية، مع استمرار هذه السياسة نتيجة الظروف الاقتصادية وانخفاض القوة الشرائية للعديد من العملات، متجنبة بذلك مخاطر التضخم وخاصة على المدى البعيد.
تخزين الذهب كغطاء لإصدار العملات وضمان الاستقلالية:
بالمبدأ، تستمد العملة قوتها من حجم تغطيتها بالذهب في البنك المركزي، ويتناسب حجم النقد المتداول مع حجم الاحتياطي الذهبي، وانطلاقاً من القاعدة التي تقول بأن من يملك الذهب يضع القوانين، فإنّ تخزين الذهب يأتي في إطار حفاظ الدولة على استقلالية سياستها الاقتصادية التي تنعكس على استقلالية قراراتها السياسية. و تأتي أهمية سياسة التخزين من الدور الذي تلعبه الاحتياطيات الذهبية في بعض الدول في تحفيز الاقتصادات، حيث تستخدم كغطاء لإصدار العملات الوطنية، فنتيجة ارتفاع أسعار الذهب تكتسب الدولة إمكانية إضافية بإصدار وصك مزيد من العملة المحلية، الأمر الذي ينعكس زيادة بالإنفاق وبالتالي يدعم بدوره النشاط الاقتصادي.
التوقعات التشاؤمية حول تطورات الأحداث الاقتصادية:
يعتبر اعتماد المستثمرين على سياسة التوجه نحو تخزين الذهب مؤشراً سلبياً بالنسبة إلى معدلات النمو الاقتصادي المنخفضة حالياً، حيث تأتي كثرة شرائه كإجراء احترازي خوفاً من تدهور أكبر في الأحداث. كما أنّ تبادلية العلاقة بين ما يجري في سوق النفط والأسواق المالية وتأثير ذلك على حجم التبادل النقدي وانعكاسات ذلك على أسعار صرف العملات وتراجع مؤشرات الأسهم، يلقي بظلاله على انخفاض ثقة المستثمر بالأسواق المالية والعملات الأمر الذي يدفعه نحو شراء الذهب كأفضل خيار للاستثمار.
كما أنّ التوقعات السلبية حيال النمو الاقتصادي تعمق المخاوف حيال المستقبل الاقتصادي الأمر الذي ساهم في مزيد من الدفع نحو الذهب الأكثر أماناً، حيث تشير توقعات المنظمات الاقتصادية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، تقارير الأمم المتحدة وغيرها)، إلى تراجع معدلات النمو أو نموها بوتيرة أبطأ من المتوقع في السنة الحالية والسنة القادمة، مع استمرار الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى توقعات سياسات التيسير الكمي التي تقوم بها البنوك المركزية في العديد من الدول الأمر الذي يدعم زيادة ممتلكات الذهب.
سياسة الصين في تخزين الذهب وفك ارتباط اليوان بالدولار:
تأتي سياسة الصين لتحويل جزء من احتياطياتها من النقد الأجنبي إلى ذهب ومشترياتها الضخمة منه، من نيتها زيادة قوة عملتها في النظام المالي الدولي في أعقاب سياسة التيسير الكمي التي قامت بها لتحفيز النشاط الاقتصادي، والتي أدت إلى تخفيض قيمة اليوان الصيني، و في إطار سياستها للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر مالك للذهب في العالم، بعد أن تمّ ضم اليوان لسلة عملات صندوق النقد الدولي، الأمر الذي سيدفع أسعار الذهب نحو الارتفاع، إلا أنّه من المتوقع أن تعاود الأسعار التراجع بعد وصول الصين إلى هدفها. بالإضافة إلى نيتها فك ارتباط عملتها اليوان بالدولار لتقليص هيمنة الدولار على التجارة العالمية،
وفي هذا الإطار ذكر بنك "أميركا ميريل لينش"، أن الصين ربما تخطط خلال العام الجاري 2016م لتنفيذ خطوة فك ارتباط عملتها اليوان بالدولار ضمن عمليات تحرير تدريجي، وبالتالي تصبح العملة الصينية عملة مستقلة مثلها مثل العملات التي تشكل وحدات السحب الخاصة بالصندوق.
يذكر أن الصين، أعلنت في منتصف العام الفائت أنها رفعت مدخراتها من الذهب بإضافة 604 أطنان لتصل إلى 1658 طناً بزيادة بنسبة وصلت إلى 57%، لتكون بذلك المرة الأولى منذ عشر سنوات التي تقوم فيها الصين بتحديث مدخراتها. ومن الممكن أن يكون الرقم أعلى بأضعاف بسبب التدفق المتزايد للذهب إليها.
فوائض البترول والاتجاه نحو الذهب:
شهدت أسعار البترول في العام 2014م ارتفاعاً قياسياً، أدى إلى تراكم فوائض كبيرة لدى العديد من البلدان المصدرة للبترول، تمّ توجيه هذه الفوائض نحو الذهب كملاذ استراتيجي آمن، بالإضافة إلى أنّ ارتفاع أسعار النفط زاد الدخول القومية للدول المنتجة، ما أدى لارتفاع مستوى المعيشة الأمر الذي أسهم أيضاً في دفع الأفراد لشراء الذهب ما أدى إلى ارتفاع أسعاره.
تحول سياسة البنوك المركزية وترويج مجلس الذهب العالمي:
يعكس الإقبال الكثيف على شراء الذهب من البنوك المركزية تحول موقف البنك المركزي من بائع إلى مشترٍ، الأمر الذي يعني تحول الذهب إلى أداة استثمارية في ظل ما يعانيه الاقتصاد العالمي من تباطؤ واضطرابات ما ينذر نوعاً ما بسحب الذهب من التداول في الأسواق، ويسهم بذلك في رفع أسعاره إلى مستويات قياسية نتيجة تزايد إقبال المستثمرين عليه، وبالأخص البنوك المركزية. ومن جهة أخرى، قد تعكس مشتريات الذهب الضخمة النشاط الذي يبذله مجلس الذهب العالمي للترويج للذهب، كأفضل خيار للاستثمار في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة.
خاتمة:
مما سبق يمكن القول: إنّ مع استمرار تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، ومع استمرار التوترات في الشرق الأوسط، واحتمال تمددها إلى أغلب دول العالم، يبقى الذهب الملاذ الأكثر أماناً في ظل غياب المؤشرات الدقيقة عن الحالة المستقبلية وضبابية الوضع السياسي والتغيرات في موازين القوى سواء الاقتصادية أو السياسية، الأمر الذي من شأنه أن يعزز ارتفاع أسعار الذهب في المدى القصير مع ازدياد حدة الأزمات التي تجتاح العالم.
وبناء عليه، بإمكاننا أن نطرح التساؤل التالي: في ظل الظروف الحالية الاقتصادية والسياسية وفي ظل التخزين الضخم للذهب، هل يمكن العودة لنظام قاعدة الذهب، وفي ظل حالة استمرار عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والحروب والمخاوف التي تجتاح العالم؟
لتبقى الإجابة مرهونة بتطورات الأحداث في المرحلة المقبلة.
استُخدم الذهب وسيلةً للدفع وللتبادل لفترة طويلة قاربت الألفي سنة، فهو الملاذ الاقتصادي الأكثر أماناً لما يتمتع به من خصائص وميزات لا تملكها العملات والمعادن الأخرى، جعلته مع تطور الاقتصاد أحد أهم أدوات التحوط ضد مخاطر تقلبات أسعار الصرف. وانطلاقاً من قاعدة الذهب التي تقول بأنّ من يملك الذهب يضع القوانين، ومع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الظروف الاقتصادية والسياسية كانت وراء التغيرات التي مرّ بها نظام النقد الدولي حتى وصل إلى وضعه الحالي، فإنّ الاتجاه نحو تخزين الذهب في ظل التغيرات الاقتصادية والتوترات السياسية يعتبر الخيار الأفضل للمستثمرين -أفراداً ودولاً- للحفاظ على استقرار أوضاعهم الاقتصادية.
واليوم تكثر التساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار الذهب في الفترة الماضية واختلال العلاقة بين العرض والطلب على المعدن الأصفر وتحول المستثمرين والبنوك المركزية الكبير نحو شراء الذهب وتخزينه. لذا سيتم فيما يلي تناول أهم الأسباب الدافعة للتحول نحو سياسة المشتري للذهب وليس البائع سواءً من قبل البنوك، المستثمرين الأفراد، أو حتى الدول:
الأسباب الكامنة وراء تخزين الذهب:
الاضطرابات الأمنية والسياسية:
من المتعارف عليه تاريخياً أنّ الطلب على الذهب يتضاعف في ظل الأزمات والتوترات السياسية، ويقبل المستثمرون على شرائه وتحويل مدخراتهم إليه، باعتباره استثماراً مضموناً ومخزوناً استراتيجياً، يحميهم من التذبذب في أسعار الصرف التي تتأثر بالأوضاع الأمنية والسياسية. فكما ساهمت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وما تلاها من غزو أمريكا لأفغانستان والعراق في دعم سياسة التوجه نحو تخزين الذهب، فالأزمات التي تعصف حالياً بالشرق الأوسط وتَمدد الإرهاب إلى العديد من دول العالم، إضافة إلى مخاطر تحول الحروب الإقليمية إلى عالمية، دفعت العديد من المستثمرين نحو شراء الذهب لضمان البقاء عند المستوى الاقتصادي المرغوب. و في هذا الإطار أكدت عدة تقارير دولية أنّ كثيراً من المستثمرين الإقليمين والمحللين في الشرق الأوسط حوّلوا جزءاً كبيراً من استثماراتهم وما يمتلكونه من سيولة إلى الذهب، بسبب التغيرات والأحداث الجارية في المنطقة.
عام 2015م انخفض الطلب على الذهب إثر التسوية اليونانية مع الاتحاد الأوروبي وإعادة فتح البنوك، ما ساعد على استعادة الثقة بأسواق المال العالمية الأمر الذي أدى إلى تراجع الإقبال الشديد على الذهب. بالنتيجة طالما هنالك توترات وحروب و أزمات، سيبقى الذهب الملاذ المالي الأكثر أماناً، وستبقى سياسة تخزينه هي الخيار الأفضل إلى حين الوصول إلى اتفاقات تعيد الاستقرار الأمني والسياسي.
تقلبات أسعار العملات عالمياً:
باعتبار الذهب أهم أدوات التحوط ضد مخاطر التغير في سعر صرف العملات والمخاطر المحيطة بأدوات الدين، فإن هذا يعني أنّ المستثمرين بإمكانهم استخدامه في سوق النقد الأجنبي لتغطية المخاطر الناتجة عن تذبذب أسعار صرف العملات وحرب العملات التي تقودها القرارات السيادية. العديد من الدول تلجأ حالياً لتعزيز احتياطياتها من الذهب بدلاً من العملات الاحتياطية وبالأخص الدولار الذي تعرض لتقلبات حادة خلال الفترة الماضية مع زيادة معدلات التضخم والعجز في الولايات المتحدة الأمريكية. الأمر الذي انعكس بتحول موقف البنوك المركزية من بائعة إلى مشترية، مخالفة بذلك موقفها السابق في الفترة الماضية، مع استمرار هذه السياسة نتيجة الظروف الاقتصادية وانخفاض القوة الشرائية للعديد من العملات، متجنبة بذلك مخاطر التضخم وخاصة على المدى البعيد.
تخزين الذهب كغطاء لإصدار العملات وضمان الاستقلالية:
بالمبدأ، تستمد العملة قوتها من حجم تغطيتها بالذهب في البنك المركزي، ويتناسب حجم النقد المتداول مع حجم الاحتياطي الذهبي، وانطلاقاً من القاعدة التي تقول بأن من يملك الذهب يضع القوانين، فإنّ تخزين الذهب يأتي في إطار حفاظ الدولة على استقلالية سياستها الاقتصادية التي تنعكس على استقلالية قراراتها السياسية. و تأتي أهمية سياسة التخزين من الدور الذي تلعبه الاحتياطيات الذهبية في بعض الدول في تحفيز الاقتصادات، حيث تستخدم كغطاء لإصدار العملات الوطنية، فنتيجة ارتفاع أسعار الذهب تكتسب الدولة إمكانية إضافية بإصدار وصك مزيد من العملة المحلية، الأمر الذي ينعكس زيادة بالإنفاق وبالتالي يدعم بدوره النشاط الاقتصادي.
التوقعات التشاؤمية حول تطورات الأحداث الاقتصادية:
يعتبر اعتماد المستثمرين على سياسة التوجه نحو تخزين الذهب مؤشراً سلبياً بالنسبة إلى معدلات النمو الاقتصادي المنخفضة حالياً، حيث تأتي كثرة شرائه كإجراء احترازي خوفاً من تدهور أكبر في الأحداث. كما أنّ تبادلية العلاقة بين ما يجري في سوق النفط والأسواق المالية وتأثير ذلك على حجم التبادل النقدي وانعكاسات ذلك على أسعار صرف العملات وتراجع مؤشرات الأسهم، يلقي بظلاله على انخفاض ثقة المستثمر بالأسواق المالية والعملات الأمر الذي يدفعه نحو شراء الذهب كأفضل خيار للاستثمار.
كما أنّ التوقعات السلبية حيال النمو الاقتصادي تعمق المخاوف حيال المستقبل الاقتصادي الأمر الذي ساهم في مزيد من الدفع نحو الذهب الأكثر أماناً، حيث تشير توقعات المنظمات الاقتصادية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، تقارير الأمم المتحدة وغيرها)، إلى تراجع معدلات النمو أو نموها بوتيرة أبطأ من المتوقع في السنة الحالية والسنة القادمة، مع استمرار الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى توقعات سياسات التيسير الكمي التي تقوم بها البنوك المركزية في العديد من الدول الأمر الذي يدعم زيادة ممتلكات الذهب.
سياسة الصين في تخزين الذهب وفك ارتباط اليوان بالدولار:
تأتي سياسة الصين لتحويل جزء من احتياطياتها من النقد الأجنبي إلى ذهب ومشترياتها الضخمة منه، من نيتها زيادة قوة عملتها في النظام المالي الدولي في أعقاب سياسة التيسير الكمي التي قامت بها لتحفيز النشاط الاقتصادي، والتي أدت إلى تخفيض قيمة اليوان الصيني، و في إطار سياستها للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر مالك للذهب في العالم، بعد أن تمّ ضم اليوان لسلة عملات صندوق النقد الدولي، الأمر الذي سيدفع أسعار الذهب نحو الارتفاع، إلا أنّه من المتوقع أن تعاود الأسعار التراجع بعد وصول الصين إلى هدفها. بالإضافة إلى نيتها فك ارتباط عملتها اليوان بالدولار لتقليص هيمنة الدولار على التجارة العالمية،
وفي هذا الإطار ذكر بنك "أميركا ميريل لينش"، أن الصين ربما تخطط خلال العام الجاري 2016م لتنفيذ خطوة فك ارتباط عملتها اليوان بالدولار ضمن عمليات تحرير تدريجي، وبالتالي تصبح العملة الصينية عملة مستقلة مثلها مثل العملات التي تشكل وحدات السحب الخاصة بالصندوق.
يذكر أن الصين، أعلنت في منتصف العام الفائت أنها رفعت مدخراتها من الذهب بإضافة 604 أطنان لتصل إلى 1658 طناً بزيادة بنسبة وصلت إلى 57%، لتكون بذلك المرة الأولى منذ عشر سنوات التي تقوم فيها الصين بتحديث مدخراتها. ومن الممكن أن يكون الرقم أعلى بأضعاف بسبب التدفق المتزايد للذهب إليها.
فوائض البترول والاتجاه نحو الذهب:
شهدت أسعار البترول في العام 2014م ارتفاعاً قياسياً، أدى إلى تراكم فوائض كبيرة لدى العديد من البلدان المصدرة للبترول، تمّ توجيه هذه الفوائض نحو الذهب كملاذ استراتيجي آمن، بالإضافة إلى أنّ ارتفاع أسعار النفط زاد الدخول القومية للدول المنتجة، ما أدى لارتفاع مستوى المعيشة الأمر الذي أسهم أيضاً في دفع الأفراد لشراء الذهب ما أدى إلى ارتفاع أسعاره.
تحول سياسة البنوك المركزية وترويج مجلس الذهب العالمي:
يعكس الإقبال الكثيف على شراء الذهب من البنوك المركزية تحول موقف البنك المركزي من بائع إلى مشترٍ، الأمر الذي يعني تحول الذهب إلى أداة استثمارية في ظل ما يعانيه الاقتصاد العالمي من تباطؤ واضطرابات ما ينذر نوعاً ما بسحب الذهب من التداول في الأسواق، ويسهم بذلك في رفع أسعاره إلى مستويات قياسية نتيجة تزايد إقبال المستثمرين عليه، وبالأخص البنوك المركزية. ومن جهة أخرى، قد تعكس مشتريات الذهب الضخمة النشاط الذي يبذله مجلس الذهب العالمي للترويج للذهب، كأفضل خيار للاستثمار في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة.
خاتمة:
مما سبق يمكن القول: إنّ مع استمرار تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، ومع استمرار التوترات في الشرق الأوسط، واحتمال تمددها إلى أغلب دول العالم، يبقى الذهب الملاذ الأكثر أماناً في ظل غياب المؤشرات الدقيقة عن الحالة المستقبلية وضبابية الوضع السياسي والتغيرات في موازين القوى سواء الاقتصادية أو السياسية، الأمر الذي من شأنه أن يعزز ارتفاع أسعار الذهب في المدى القصير مع ازدياد حدة الأزمات التي تجتاح العالم.
وبناء عليه، بإمكاننا أن نطرح التساؤل التالي: في ظل الظروف الحالية الاقتصادية والسياسية وفي ظل التخزين الضخم للذهب، هل يمكن العودة لنظام قاعدة الذهب، وفي ظل حالة استمرار عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والحروب والمخاوف التي تجتاح العالم؟
لتبقى الإجابة مرهونة بتطورات الأحداث في المرحلة المقبلة.