"معك مكملين"
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٤ أبريل ٢٠٢٣
شيء أقل من السيادة لا يقبله السوريون، من هنا أبدأ سائلاً: لو أن القرار بيد أي أحد منا فكيف يتصرف؟ يتوقف الكثرة لتعتورهم الحيرة أقول لماذا؟ لأن سوادنا مجاملون، يستندون إلى الميكيافيلية القائمة على أن الغاية تبرر الوسيلة، إذا الذاكرة متوافرة، يقولون أيضاً لا لأنها مثل الغربال، النافذ منه تمتصه مغناطيسية الأرض من دون عودة، إنما لأولئك الباقين فوقه.
أتجه متحدثاً، أجل سورية تمتلك رجل دولة يدير ملفاتها باقتدار، بدءاً من أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية وعلاقتها المحيطية، وصولاً للاقتصادية والاجتماعية، هذا الرجل يستشعر ثقة في مسار المستقبل من دون تردد، رغم ما مررنا ونمر به من تراجعات أخذت حيزاً من الزمن ضمن طبيعة الواقع الذي فرض عليه وعلينا، إلا أن هذه الأوضاع لم تثنه عما يؤمن به، ما أوجد أسئلة عند البعض والآخر في كيفية بقائنا ووصولنا إلى هنا، وعلى المسارات كافة، فالوقائع كانت تشير إلى أننا ذاهبون إلى الأسفل، بسبب البعض الذي كان يراهن على ذلك، ولم يراعوا حرمة وحق سورية وإنسانها في البقاء والحياة، إلا أننا معه أثبتنا عكس ذلك.
نعم السوريون ارتبطوا برجل اهتمّ بصناعة التاريخ، وترك للآخرين كتابته، وسورية مكان يصب فيه التاريخ، لأن كل خطوات التاريخ تقودك إليها، ونحن مررنا في سورية على حرب غدت مرجعيتنا الكبرى، ولا يمكن لأحد أن يقرأ الذي مر معنا من دون الرجوع إلى محيطنا القريب والبعيد، فلا يمكن لكائن أن يفهم مجريات المنطقة برمتها وجوهرها، من دون أن يستوعب ما على الجغرافيا السورية التي ترشده وتهديه إلى الحقائق الراسخة، هذه التي تفسح أمامه المجال للانتقال مما هو تكتيكي إلى ما هو استراتيجي، ومن خلالها يدرك لماذا كانت الحرب على سورية، فتكون مدخله إلى فهم الجغرافيا والتاريخ في آن.
سورية مع الأسد المؤسس، لروحه السكينة ولذكراه الخلود، ولسورية مع الأسد المحدث القائم على إدارة شؤونها الاستمرار والتقدم، تحولت إلى أرض جاذبة ومبهرة، وغدت تتحمل التحديات المتوازية والمتداخلة نتاج حضورها، ومعها أخذ يندحر بعلانية وصمت تاريخ الإرهاب وأدواته التي كانت تنشد إلى حد كبير محو ما على هذه الجغرافيا، وحاولوا أن ترسخه أفكارهم بافتعال أعتى المعارك وعبر سنوات الحرب التي نالت من خيرة شبابها المؤمنين بها، الذين لم يسقطوا إلى الأدنى، لأن طموحهم الأعلى تقديم دمائهم كي ينعم أهلهم بالأمن والأمان، بعدما استنزف الإرهاب مواردهم الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، والمستهدفون لسورية لن يتوقفوا، لأنهم مازالوا مصرّين رغم انكسار الكثير من أشواكهم أمام إصرار الرئيس الأسد على دحر الإرهاب حتى آخر ذرة تراب، والذي يستعيد تحليله المبكر للمشهد الذي تفرعت عنه مشاهد، ويدقق في ثباته رغم ما حل بسورية من ألم، يعلم أن هذه الصفات كانت وما زالت مدعاة لكل المؤمنين بالعروبة والقومية وبسورية، فالوقوف إلى جانبه والاستمرار بإصرار على متابعة المسيرة معه غدا أكثر من حق وواجب، فالذين يستهدفون الجيش والأمن والاقتصاد في سورية مازالوا متربصين، يحاولون زرع الشك في نفوس الضعفاء ضد قيادته، لكن للمؤمنين أقول: غداً سيكون وجه آخر للحياة، وبشكل خاص مع انطلاق مسيرة الإعمار وإعادة بناء الإنسان واختيار الأفضل إلى جانبيه لمتابعة مسيرة بناء الدولة التي تستدعي إحداث قيامتها على أسس أخلاقية وعلمية.
يقيناً سيصغر الإرهاب وداعموه، كما في كل صور الأحزان وتداعياته مع الوقت، وسنذهب معه لإعادة إعمار الإنسان وما تهدم من البناء المادي، والذي ظهر من قيم التعاون الإنساني النبيل إثر نتائج الزلزال الذي رافق عمليات دحر المتبقي من الإرهاب، هذا الذي شكل منعطفاً منح السوريين إشراقاً مهماً، استعادوا من خلاله إيمانهم بالتعاون ونجدة بعضهم مع لهفة الأشقاء والأصدقاء الذين سطروا جميعاً ملحمة كبرت بها قلوب السوريين الممتلئة بقيمة الحياة وقيمها، وكانت تعبيراً صارخاً في وجه محاولات اختطاف الجغرافيا والإنسان إلى دوامات الانقسام والفتنة.
"معك مكملين" حقيقةً لا وهماً، من أجل وحدة الأرض والإنسان مكوّني سورية الوطن والأمة، ونقول: مع مسيرتكم سنكون أفضل، ونصنع تاريخنا بأيدينا، وحرصكم على نجاحنا يدفعنا لتحقيق الأفضل المنشود، والفرص غدت أكثر من متاحة، لأن ما بقي هو قليل، بعد أن قدمت سورية معكم كل القرابين، متجاوزة لغة التنظير والمواعظ التي أخذت تنهال من البعض في الداخل والخارج على حساب الممارسة الحقيقية، لتتحول من مفاهيم الحرب إلى البدء بخطوات البناء والإعمار.
ما مبررات التوقف بعد أن انتهت سنوات الحرب القاسية والظالمة، لدى البعض تبريرات لا وطنية ستسقط، وها نحن نبدأ عمراً جديداً يستدعي منا المصارحة ووضع الخلل على الطاولة، وهذا ما يدعو إليه السيد الرئيس، وهو المنتقد الأول للفساد وللبطء في الحركة والإنتاج، ومناهض شديد للتخلف والانتظار والليبرالية الحديثة القائمة على اللا أخلاق، وأهم داع إلى الجدية الحقيقية لا الوهمية، ونعم لاستمرار التأسيس والإصلاح بالشكل العلمي والواقعي.
د. نبيل طعمة