من يسرق الكهرباء؟! وهل المشكلة "ترشيد" لا أكثر؟!!

من يسرق الكهرباء؟! وهل المشكلة "ترشيد" لا أكثر؟!!

الأزمنة

الثلاثاء، ١٠ ديسمبر ٢٠١٣

وسيم وليد إبراهيم
الشتاء والكهرباء.. علاقة وطيدة تربط كل طرف بآخر وخاصة إنه مع حلول فصل الشتاء تطول ساعات انقطاع التيار الكهربائي "التقنين" الذي اعتاد عليه المواطن، ذلك لأسباب باتت معروفة لدى الجميع، إلّا أن هذا الشتاء لديه أسباب إضافية سنأتي على ذكرها.
وزير الكهرباء عماد خميس وفي إحدى تصريحاته أوضح أن مشروع ترشيد الكهرباء يعتبر أفضل مشروع ربحي للوزارة، كما ذكر سابقاً أن "ترشيد الطاقة الكهربائية يعتبر مصدراً آخر لتأمين الطاقة"، ولا يخفى على أحد الرقم الكبير الذي يشكله هدر الكهرباء في سورية والذي يكلف ما لا يقل عن مليارَي دولار سنوياً ويعتبر من أعلى النسب في العالم، وبالطبع وزارة الكهرباء حاولت جاهدة لترسيخ مفهوم ترشيد الكهرباء سابقا وإلى الآن، إلا أن ما نراه حاليا سلوك مغاير تماما لمفهوم ترشيد الكهرباء سواء من قبل المواطنين "القطاع المنزلي- الصناعي- التجاري- الحرفي-..." أو من قبل المؤسسات الحكومية من "مدارس- وحدات إدارية- وزارات- مؤسسات- شركات عامة...".
بالطبع ترشيد الكهرباء يعني في مفهومه المتعارف الاستخدام الأمثل لموارد الطاقة الكهربائية المتوفرة واللازمة لتشغيل المنـــشأة دون المساس براحة مستخدميها أو إنتاجيتهم أو المساس بكفاءة الأجهزة والمعدات المستخدمة فيها أو إنتاجها.
وهنا لا بد من طرح سؤال هام جداً: هل يتم الاستخدام الأمثل لموارد الطاقة الكهربائية لدينا؟..وهل غيّر المواطن من عاداته الاستهلاكية بالنسبة للكهرباء؟..وكيف يمكن الوصول إلى الترشيد؟..

زيادة التوجه إلى استخدام الكهرباء والأسباب مشتركة
في حال نظرنا إلى العادات الاستهلاكية التي تتبع حالياً من قبل معظم المواطنين، فإننا نجد أنها لم تتغير بل ربما زادت سوءاً في ظل الظروف الراهنة التي تمر على سورية، بالإضافة إلى مجموعة مسببات أخرى أدت إلى التوجه أكثر نحو استخدام الكهرباء، على الرغم من أن وزير الكهرباء أوضح مؤخراً بأن "الطلب على الكهرباء انخفض بحدود 22% نتيجة ما تعرضت له المنشآت والمعامل الصناعية من تدمير، في حين إن توليد الكهرباء انخفض أيضاً بنسبة تراوحت 28%"، وهنا نجد أن النسب متقاربة بعض الشيء في نقص التوليد وانخفاض الطلب.
ولكل شيء سبب كما يقال، وزيادة التوجه نحو الكهرباء بالنسبة للقطاع المنزلي يعتبر ذات مسؤولية مشتركة، منها ما يقع على عاتق الحكومة مثل ارتفاع الأسعار الذي قلّص القدرة الشرائية لدخل المستهلك ورفع سعر الغاز والمازوت، وجزء آخر يقع على الثقافة والتربية لدى المستهلك بالإضافة إلى المسبب الرئيس ألا وهو الأزمة الراهنة والتي أدت إلى زيادة الاستجرار غير المشروع للكهرباء في الكثير من القرى والبلدات، وضعف مكافحته من قبل الجهات المعنية بذلك.
توجّهُ المستهلك إلى الكهرباء في قضاء معظم حوائجه لا يعتبر وليد اللحظة، بل جاء متوازياً مع كل أزمة مازوت أو غاز كان يتعرض لها خلال الأعوام السابقة، ولاحظنا العام الماضي كيف انتشرت وبشكل سريع السخانات الكهربائية التي تعمل على الليزر وعلى الهيولجين وغيرها من الأنواع، وحالياً مازالت تطرح ولايزال الإقبال عليها كثيراً من قبل المستهلكين، كما لاحظنا حالياً وسابقاً كيف انتشرت في أسواقنا "الحصر" الكهربائية المحلية والمستوردة والتي تستخدم للتدفئة على الرغم من خطورتها وتسببها للعديد من الحرائق، وبالطبع التوجه للكهرباء في الاستهلاك كان نتيجة تراكم للأزمات السابقة، بل إن المستهلك غيّر في عاداته الاستهلاكية بالنسبة لمصادر الطاقة، فالمستهلك حالياً يستغل الكهرباء في قضاء معظم احتياجاته ولو كانت جميع مصادر الطاقة الأخرى من "غاز ومازوت" متوفرة لديه، وهذا ما أدى إلى زيادة الطلب على الكهرباء أكثر في معظم المناطق الآمنة، وبالتالي نرى أن ساعات التقنين تزداد، سواء أكان تقنيناً مدرجاً ضمن جداول معينة أم نتيجة للأعطال اليومية التي تحدث بسبب زيادة الحمل على مراكز الكهرباء.

سرقة الكهرباء..إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت.. و"كل شي ببلاش كتِّر منّو"
أما الاستجرار غير المشروع والذي ساهم بدرجة كبيرة في زيادة الأعطال وزيادة الطلب العشوائي على الكهرباء، فقد ازدادت نسبه بدرجة كبيرة، فـ"سرقة" الكهرباء كانت تتم قبل الأزمة التي تمر على سورية، وفق طرق احترافية ومخفية خشية أن يتم ضبط السارق من قبل مفتشي الكهرباء، أما حالياً فللأسف نجد أن "سرقة" تتم على أعين موظفي الكهرباء أنفسهم وفي وضح النهار ودون أي إخفاء، أي "إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، وبالطبع موظفو الكهرباء ليس لديهم القدرة على الحد من هذه الظاهرة بمفردهم في ظل غياب القدرة على تنفيذ القوانين في بعض المناطق.
وهذا الأمر بالطبع يعود لثقافة المستهلك وتربيته، فاستجرار الطاقة الكهربائية بشكل غير مشروع تعني "السرقة"، أي إنه عندما يقوم المواطن بسرقة الكهرباء فإنه يسرق من جميع أفراد البلدة أو المكان الذي يعيش فيه وسيسبّب لهم الأعطال المتكررة، وبالطبع الاستمرار في هذا السلوك ينمّ عن عدم وجود أي شعور بالضمير أو المسؤولية تجاه سكان منطقته، حتى أننا نرى الكثير ممن "يسرقون" الكهرباء يفتقدون الإحساس بالترشيد أيضاً، وإذا سألتهم عن سبب ذلك قالوا لك: "كل شي ببلاش كتر منو"، فنجده يقوم بتشغيل جميع الأجهزة الكهربائية حتى السخانات الكهربائية الخاصة بالتدفئة وحتى تسخين المياه دون أي إحساس بالمسؤولية.
بالطبع الاستجرار غير المشروع يحتاج تحركاً سريعاً من وزارة الكهرباء لمعالجته، فليس من المنطقي "ترك الحبل على الجرار"، فهناك معامل لتصنيع البلوك تسرق الكهرباء وهناك أيضاً معامل للحياكة وأخرى للتطريز تستجرّ بطريقة غير مشروعة وهناك الكثير من المنازل تستجرّ الكهرباء بطريقة غير مشروعة، فيجب وضع آلية للحد من انتشار الاستجرار غير المشروع، والضرب بيد من حديد على كل من يقوم بسرقة الكهرباء لما لذلك من أضرار تعود على المواطنين بالدرجة الأولى وعلى الوزارة بالدرجة الثانية، فالذي لم يردعه ضميره وأخلاقه عن السرقة فالقوانين وتنفيذها هي السبيل الوحيد لردعه.
وبالطبع هناك بعض الاستثناءات "برأينا" للاستجرار غير المشروع للكهرباء وهو يتعلق بالمهجّرين الذي اضطرتهم الظروف للخروج من مناطقهم إلى مناطق أخرى آمنة، فكثير من الأسر المهجرة تعيش في شقق ليس فيها كساء سواء أبواب أو نوافذ وليست مخدّمة، فيضطرون لاستجرار الكهرباء بطريقة غير مشروعة لقضاء حوائجهم، وبالطبع هذا الأمر غير مبرر ولكن لسان حالهم يقول: "الضرورات تبيح المحظورات"، وهنا يجب على قسم الكهرباء الخاص بالمنطقة أن يتوجه لهذه الشقق ويعمل على تنظيم هذا الاستجرار غير المشروع بوضع عدادات أو ساعات مؤقتة لها مع مراعاة الظروف المادية لهذه الأسر وعدم تحميلهم أعباءً مادية، ومساعدتهم قدر الإمكان مع تنبيههم بعدم اللامبالاة في استجرار الكهرباء ومسؤوليتهم حيال هذا الأمر.

مؤسسات الحكومة بعيدة عن ترشيد الكهرباء
ترشيد الكهرباء لا يمكن الوصول إليه في ظل وجود العوامل السابقة، بالطبع الحكومة يقع على عاتقها الدور الكبير في ذلك، فالكثير من المؤسسات الحكومية نجدها حالياً لا تتبع أي سلوك في ترشيد الكهرباء بل على العكس، فنرى السخانات الكهربائية في كل مكتب، ونرى المدافئ الكهربائية تعمل طوال الدوام وربما كان هناك أكثر من مدفئة في المكتب نفسه، عدا عن المكيفات التي تعمل في الصيف والشتاء "بحاجة ودون حاجة"، ونرى الإنارة مضاءة بشكل كبير في المكاتب على الرغم من توفّر إضاءة النهار، كما أننا كثيراً ما نرى الأعمدة في الطرقات منارة بوضح النهار دون أن تقوم الوحدات الإدارية بإطفائها، فأين هو الترشيد في المؤسسات الحكومية؟، وأين هي ضوابط الحد من هدر الطاقة الكهربائية؟.
بالطبع وزارة الكهرباء أعلنت سابقاً أنها تقوم بحملة لترشيد الطاقة الكهربائية، ومن المعروف أن القطاع الكهربائي حالياً يعاني الكثير من الصعوبات بسبب الأزمة الحالية ونتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، كما أن التعديات على المحطات وخطوط التغذية الكهربائية تكاد تُسجل في كل شهر، مما يحمّل وزارة الكهرباء أعباءً إضافية لإصلاح الأعطال المكلفة في بعض الأحيان، ولكن كما قال وزير الكهرباء الترشيد هو الأربح، ولكن يحتاج إلى توعية وآليات تنفيذية، ويمكن القول أيضاً بأن تقليل الفاقد يعتبر هو أيضاً رابحاً لأن استثمار الفاقد لمدة عام واحد وفق العديد من الخبراء يكفي لإعادة هيكلة قطاع الطاقة الكهربائية في سورية وتطويره والخروج من أزمة الحاجة إلى الطاقة.

الترشيد ليس شعارات بل مسؤولية مشتركة
الترشيد لا يمكن تطبيقه عن طريق البروشورات ووضع الشعارات والإعلانات في الطرقات، بل نقترح أن يتم تربية الأجيال على ذلك وإدراج مادة خاصة في المدارس عن الكهرباء وطرق الترشيد، مع أهمية ترسيخ فكرة أن الترشيد يعتبر مسؤولية مشتركة ومتشابكة تتحمّلها كل القطاعات العامة والخاصة والأهلية ويجب على كل قطاع أن يتحمل مسؤوليته تجاه هذه النعمة التي لا نشعر بها إلا بعد أن نفقدها.
ونعود ونؤكد بأن مبلغ هدر الطاقة أو الفاقد هو مبلغ ذهب على الخزينة العامة، أي أنه ضاع على المواطن نفسه، كما أن نسبة الهدر وفق المصادر الرسمية تتراوح ما بين 10و70%، وهي نسب مرتفعة، فيجب البحث عن الفاقد في الشبكة على كل المستويات: 20 كيلوفولت أو 66 كيلوفولت، والعمل على زيادة شبكات التوزيع لتخفيف الفاقد، إذ إن الفاقد في الشبكة السورية يصل أحياناً إلى قيم مرتفعة جداً، وفي حال توفيرها يمكن التوقف عن تقنين الطاقة، لأن التقنين لا يصل إلى هذه النسب، كما يجب معالجة الفاقد على جميع المستويات، أي في شبكات التوتر المنخفض والمتوسط.
يذكر أن استهلاك الكهرباء في سورية نحو 46 مليار كيلوواط ساعي في عام 2010، وفي عام 2015 سيرتفع الرقم إلى حدود 60-63 مليار كليوواط ساعي، وفي عام 2020 سيرتفع إلى 80 مليار كيلوواط ساعي، ولكي نؤمّن ذلك نحن بحاجة إلى استثمارات هائلة جداً لبناء محطات توليد الطاقة.
وكان الوزير خميس أوضح أن عدد مشتركي الطاقة الكهربائية في سورية وصل إلى نحو 5 ملايين و700 ألف مشترك، منها 4 ملايين ونصف مليون مشترك في القطاع المنزلي وحده، لافتاً إلى أن الإنتاج السنوي من الكهرباء وصل في سورية إلى نحو 50 مليار كيلوواط ساعي، يعتمد توليدها في الغالب على الوقود الأحفوري كالغاز والفيول.