نعم للحياة
افتتاحية الأزمنة
الثلاثاء، ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٣
نظرة مختلفة نلقيها على المشهد العام ونحن في شهر الحب والسلام الحامل للميلاد ورأس سنته، بادئاً بأن أحبّوا بعضكم وتمسكوا بوصايا الحق، بدءاً من الحب وعدم الظلم، ابنوا الصح في العائلة الصغيرة لتتعلم العائلة الكبيرة، أحبّوا الأعلى والذي بجانبكم وخذوا بأيادي الأدنى، تعالوا نتعلم كلمة نعم التي تبني العلم وتطلب المعرفة ونرفض كلمة "لا" التي تنهي العطف والرحمة وتهدم الجمال وتدمر البنيان، ولنأخذ بعمق نظرات الحنان والاستفهام والتأمل المكتشِفة للخطيئة وألا نكتفي بإلقاء النظر عليها بل نذهب لإصلاحها، لا تفكروا بما سيقدمه الآخرون إليكم، فكروا بما ستقدمونه أنتم لأنفسكم، تعلموا أن تطلبوا كي تُعطَوا وألا تأخذوا لتأخذوا أكثر، تأملوا أن الولادة في السماء من دون أم والولادة على الأرض من دون أب، والروح التي تحركنا وتمنحنا الحياة تحمل الطهر والصدق، لا ضير في مراجعة الماضي من أجل خلق وعي مستنير في الحاضر والغد، رغم صعوبة الهدف، كونها تتطلب توجهاً عاماً يوقظ الجموع الغفيرة الناقلة، والغاية تخليصهم من الاستسلام البليد لبرمجة العقل الطفولي المالك للغبطة البسيطة والاستماتة في الدفاع عنها والتحفز لمهاجمة من ينقذها، إن من يعتقد أن ما يؤمن به فوق مستوى النقد فليعلم أن إيمانه دون مستوى الفكر، فالفكر يبدع في الخير كما يبدع في الشر، فمن صاغ أساليب التخريب وأدوات القتل والتدمير إنسان وإلى جانبه إنسان آخر أبدع في الفنون وأدواته ووسائط حركته وخدمته، الإنسان إنسان، لذلك أجدني أذهب لدعوتكم لتعلم الحب وأضيف: أجل ينبغي أن نذهب من جديد لتعلم الحب لأن لا شيء يعادل الحب، وأوله حب العائلة الصغيرة الذي، كما أسلفت، يؤدي إلى حب العائلة الكبيرة "المجتمع" وبه وحده يُقتلع الحقد وتنتهي الكراهية ونتخلص من العنصرية والفرز المذهبي والطائفي والعرقي.
الظاهر الآن عالمياً والسائد تجرد البشرية من إنسانيتها ومحبتها، فها هي الحياة تصارع الموت والأمل يواجه اليأس والكراهية تتقدم على الحب، وبما أن الحياة إسراريه فلا بد من العودة إلى تعابيرها الأصلية والمرئية لقواها المادية والروحية، وبهذا تتم توأمة الإيمان بالحياة مع الحياة اليومية فتكون هناك سعادة تمنح الإنسانية بهجة وتوافقاً اجتماعياً هاماً، يحدث هذا عندما يتمسك الجميع بالقيم الروحية والأخلاقية التي تحدث التماسك الاجتماعي؛ هذا الذي يقضي على النزاعات والصراعات الداخلية والخارجية ويقف في وجه الظروف الطارئة والمتغيرات الناشئة باستمرار.
قولوا نعم للحياة، لا تخافوا منها لأن الخوف الجماعي يحفز غريزة القطيع، وهذا الخوف يؤدي إلى إنتاج الحذر والحقد والكراهية تجاه أولئك الذين يتعلقون بالحياة وينتجون ويبدعون لها، وللخائفين نقول إن الحياة تطالبكم دائماً بالحركة إن أردتم المحافظة على توازنكم فيها بالرغم من هيمنة العولمة والليبرالية الحديثة والقديمة اللتين تهيمن عليهما الصهيونية وتقودهما لانفلات العالم أخلاقياً مع مختلف النتائج السلبية لعصر العلم والتكنولوجيا ووسائط الاتصال المتسارعة أمام الناتج الإيجابي القليل منها وتطور الانتهاكات، واستمرارها، لحقوق الإنسان، وبالرغم مما تجابهه الحياة من تحديات والتزامات جديدة تستقبل الإنسانية عاماً جديداً مليئاً بأعياد الفرح والميلاد الذي يمنح الحرية الأخلاقية للمؤمنين فيها وبمآثرها الجميلة التي تدعونا لتطوير الحياة اعتماداً على بناء المجتمع وإعداده بشكل سليم، ويكون ذلك بتعزيز الخدمة الاجتماعية بكل سماتها ومظاهرها ومضامينها، مع الدفع بالاعتماد على الذات بعد رعايتها وتطويرها معرفياً وعلمياً وإيمانياً، ودعم هذه الذات الإنسانية بالأنشطة الاجتماعية والثقافية ودفعها قدماً ضمن برامج هادفة تعزز حب الحياة الذي به فقط تنتهي الانهزامية والتأخر والتقوقع أو المراوحة في المكان.
نعم للحياة، نعم لاستعادة إنسانية الإنسان المؤمنة بمبادئ الأخلاق ووصاياها العشر، ليس لدينا خيار إلا التمسك بها لأن فيها استمرارنا، ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، إرثنا وموروثنا، كيف بنا لا نستمتع بحضورها الممتلئ بآلاف الفرص الجميلة، فإذا كانت واحدة تكفي لإسعاد الإنسان فكيف بهذا الكم الهائل، ميلاد مجيد وسنة جديدة تحمل الأمل والتفاؤل تدعونا لاستقبالها، فلنذهب إليها.
د. نبيل طعمة