هاروكي موراكامي
نجم الأسبوع
الأحد، ١ مارس ٢٠٢٠
ولد هاروكي موراكامي في 12 كانون الثاني 1949، في اليابان عقب الحرب العالمية الثانية، لوالدين كلاهما يعمل في تدريس الأدب الياباني في طفولته، كان يقرأ الأعمال الأدبية لعدة كتاب أميركيين، أمثال كيرت فونجيت، ريتشارد بروتيجان، وجاك كيرواك.
وقد تأثر بالثقافة الغربية منذ سن مبكرة، وغالباً ما يظهر هذا التأثير في أعماله الأدبية، ما يفرقه عن الكتاب اليابانيين الآخرين. هو كاتب (القاعدة الجماهيرية العريضة) الذي صنفته مجلة الجارديان كأحد أبرز الروائيين على قيد الحياة.
يعتبر موراكامي من أبرز كتاب جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، هذا الجيل الذي تكسرت أمامه أسطورة الإمبراطور، تقبل ثقافة البوب الأميركية، مرحباً بالانفتاح على العالم، وفي حالة موراكامي فهو تقبل الثقافة الغربية كلها قلباً وقالباً، وقد انعكس هذا بشكل بالغ على أعماله.
بدأ هاروكي موراكامي ككاتب قصص خيالية عام 1979م، تعود كتابة بعض القصص والروايات بالتناوب، فعندما كان ينهي رواية يبدأ بعدها بكتابة بعض القصص القصيرة، وعندما ينهي مجموعة قصصية كان يبدأ في كتابة رواية. ينقطع هاروكي موراكامي عن كتابة القصص القصيرة عند شروعه في كتابة رواية، كذلك عندما يبدأ في كتابة رواية لا يفصله عنها قصة قصيرة، حيث إنه يرى أنهما ينتميان إلى جزئين مختلفين من الذهن، «والأمر يتطلب وقتاً لإطفاء الأول وتشغيل الجزء الآخر». كما يقول في مقاله (كتابة القصص القصيرة لعبة). حصل موراكامي على عدة جوائز أدبية عالمية منها جائزة الفنتازيا (2006) وجائزة فرانك أوكونور العالمية للقصة القصيرة (2006) وجائزة فرانز كافكا (2006) وجائزة القدس (2009).
درس موراكامي الدراما في جامعة واسيدا في طوكيو، حيث التقى بيوكو، التي أصبحت زوجته. كان عمله الأول في متجر تسجيلات. وقبل إنهاء دراسته بوقت قصير، افتتح مقهى وحانة لموسيقا الجاز، أسماها (بيتر كات) في كوكو بونجي، في طوكيو، أدارها مع زوجته بين عامي 1974و1981.
بدأ موراكامي بكتابة الأعمال الخيالية حين بلغ التاسعة والعشرين وقال: (قبل ذلك لم أكتب أي شيء. كنت واحداً من أولئك الأشخاص الاعتياديين وحسب، أتولى إدارة نادٍ لموسيقا الجاز ولا أبتكر شيئاً على الإطلاق). وقد ألهم بكتابة روايته الأولى، اسمع الريح تغني (1979)، أثناء مشاهدته لمباراة. بيسبول، وتحولت لفيلم في العام 1980، وربحت أفضل رواية خيالية لكاتب جديد.
منذ بدايته كانت كتاباته تتسم بالصور والأحداث النابعة من أعمق ذكرياته والتي وجد صعوبة في تفسيرها، وقد جادل البعض بأن هذا الغموض ليس شيئاً منفراً بل على العكس تماماً، فقد كان من أحد أسباب شعبيته وسط القراء، وعلى الأخص القراء الأكثر شباباً الذين ملوا من الكتابات الصريحة الواضحة التي أصبحت من الاتجاهات السائدة في الأدب الياباني المعاصر. أما عن عدم تبنيه آراء سياسية أو فكرية واضحة، فذلك أزعج العديد من الكتاب (الجديين) مثل (أوى كنزابورو)، والذين اعتبروا كتاباته الأولى عبارة عن أعمال للترفيه فقط.
أحد العوامل التي تميز كتاباته هي أسلوب كتابته غير المعتاد. أغلب النقاد علقوا بأن موراكامي ليس حقاً كاتباً يابانياً لأن كتاباته النثرية تبدو إنجليزية أكثر منها يابانية، حتى في نصوصها الأصلية باللغة اليابانية قبل الترجمة، وذلك نظراً لتأثره بالروائيين الغربيين مثل فيتزجيرالد. يبتعد موراكامي في كتاباته عن الكتابة اليابانية التقليدية والتي تتميز بالجدية والمأساوية، ليستخدم مقاربة أقل جدية وأكثر فكاهية في توظيف كلماته. يعترف موراكامي بنفسه أنه يكتب مجمل قصصه باللغة الإنجليزية أولاً ثم يترجمها لليابانية.
يكتب موراكامي فقرات قصيرة تركز أكثر على طبيعة الشخصيات وحالتها النفسية بدلاً من التركيز على البيئة المحيطة، كما يختلف أيضاً عن الكتاب اليابانيين التقليديين مثل (ياسوناري كواباتا)، الذين يخصصون فقرات عديدة لوصف سياق القصة. وبهذه الطريقة يصبح أسلوب كتابة موراكامي أكثر تشويقاً وجاذبية للقراء اليابانيين، وأسهل في الاستيعاب والفهم بالنسبة للقراء الغربيين.
الإحساس بالغربة، والوحدة، والضياع، هو من العناصر الطاغية على كتاباته. في أغلب أعماله نرى أشخاصاً يتبعون قواعد المجتمع الاعتيادية، على حين يشعرون بفراغ كبير بداخلهم، وأن ما يفعلونه عديم الجدوى، وقد كان ذلك بسبب وضع المجتمع الياباني فيما بعد الحرب.
بعد الحرب العالمية الثانية مرت اليابان بوضع عصيب مادياً واجتماعياً بسبب إعادة بناء ما فقدوه، وقد اتخذ موراكامي فترة ما بعد الحداثة كسياق لقصصه. أبطاله ليسوا ضحايا لأحداث الحرب بشكل مباشر، ولكن كقارئ يمكنك استشعار تأثيرها فيهم، وكيف أثرت في نضوجهم العقلي وكيفية تعاملهم مع العلاقات الإنسانية. كما تجد أيضاً في كتاباته سخرية من المجتمع الحديث والرأسمالية والتقدم التكنولوجي، فهم لم يساعدوا على تحسين رؤية الشخص لنفسه أو أوضاع معيشته. من خلال كتاباته يرينا موراكامي حجم الفوهة بيننا كأشخاص، وأننا بعيدون كل البعد بشكل أكبر مما نتخيل، حيث يحيط كل منا نفسه بحوائط وعوازل ظناً منه أنه الوحيد الذي يعاني. يرينا كيف يمكن أن ينام شخصان في سرير واحد ويشعران بالوحدة بمجرد أن يغلقا أعينهما. (إذا كنت تقرأ ما يقرأ الآخرون، فستفكر بطريقة الآخرين نفسها).
إن كل من يريد أن يقرأ لموراكامي عليه أن يكون متقبلاً كتابات الواقعية السحرية من دون قيد أو شرط. موراكامي( وغيره من إعلام الواقعية السحرية مثل ماركيز) لا يمكن قراءتهم بطريقة قراءة باقي الكتاب، ومثلما أننا نولد معتنقين لديانات آبائنا ومعتقداتهم وفي الأعم الأغلب لا نجهد أنفسنا في التحقق من كل ذلك ونسلم به قطعياً، فإن على قراء موراكامي كي يستمتعوا بأعمال هذا الكاتب العبقري، التسليم بإمكانية حدوث كل ما يقوله ويخلقه من عوالم وشخصيات وأحداث من دون إخضاع كل ذلك إلى العقل والمنطق وإلا فسدت القراءة حتماً. الاستسلام لكل ذلك هو شرط لقراءة موراكامي.
القراءة لموراكامي خطرة لأنها قد تغير حياتك تماماً عدا أنها قد تقتل رغبتك في قراءة كاتب آخر لأنه وكما يقال بالإنجليزية (raises the bar) أي لا يستطيع أحد أن يجاريه.
كانت أول رواية أقرؤها له هي (جنوب الحدود غرب الشمس) وتسببت هذه الرواية بإدماني على قراءة جميع أعماله من دون توقف.