هل سيرسو الشرق الأوسط على ما كان عليه؟.. بقلم: د. محمد عاكف جمال

هل سيرسو الشرق الأوسط على ما كان عليه؟.. بقلم: د. محمد عاكف جمال

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٥ أبريل ٢٠١٦

شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، نقطة تحول مفصلية في مستقبل الشرق الأوسط، نحو آفاق لا تزال قيد التخمين.
ردود الفعل لتلك الأحداث كانت أكثر عنفاً وعربدة، فقد كانت دخولاً عسكرياً أميركياً سافراً إلى المنطقة في أفغانستان أولاً، ثم العراق ثانياً، تحت شعار مكافحة الإرهاب أو إزالة أسلحة التدمير الشامل. ومنذ ذلك الحين، بدأت شرارات العنف في المنطقة تنتقل من بلد لآخر، متخذة أردية شتى، قومية ودينية ومذهبية ومناطقية، وتحول بعضها إلى عمليات إرهابية.

الحروب الدائرة في عدد من دول المنطقة منذ خمس سنوات، والاحتقانات الشديدة الآخذة بالتصاعد بين دول محورية أخرى، تهدد بدفع حالة اللا استقرار السائدة فيها نحو حرب إقليمية مرشحة للتوسع، لتشمل دول من خارجها. هذه الأوضاع تطرح تساؤلات جدية حول ما إذا كان الشرق الأوسط سيرسو مستقبلاً على ما كان عليه قبل اندلاع هذه الأحداث أم لا؟.

للإجابة عن هذا التساؤل، لا بد من الأخذ بنظر الاعتبار، الدور الذي تلعبه شعوب المنطقة في صنع هذه الأحداث، ورسم مآلاتها من جهة، والدور الذي تلعبه القوى العظمى التي لديها القدرة على التأثير سياسياً وعسكرياً على التوازنات القائمة من جهة أخرى.

على مستوى المحور الأول، تتبنى الأطراف المتصارعة سقوفاً عالية في مطالبها، لا تتناسب مع قدراتها الميدانية، فعلى سبيل المثال، أصبح طول الصراع في سوريا، بعد أن دخل عامه السادس، مؤشراً على عجز أطراف الصراع على الحسم العسكري.

ورغم أن هذه الصراعات تدور ضمن الحدود الجغرافية لكل بلد، إلا أنها أصبحت صراعات إقليمية بامتياز، بعد أن باتت أكثر من دولة إقليمية شريكة فيها بشكل معلن. أما على مستوى المحور الثاني، فلم تعمل القوى العظمى على التخفيف من حدة هذه الصراعات، على الرغم من قدرتها على ذلك، بوسائل شتى، لأنه ليس لديها موقف موحد إزاءها، خاصة أن بعضها قد أصبح طرفاً في هذه الصراعات.

وقد عملت الخلافات بين الولايات المتحدة وروسيا على لعب دور سلبي على أمن واستقرار المنطقة، اللذين أصبحا على درجة كبيرة من التعقيد في العقد الأخير من السنين.

عاملان رئيسان يرجحان انحدار المنطقة إلى معادلة توازنات جديدة، أولهما، صعوبة إيجاد حلول ناجعة لهذه الصراعات، وثانيهما، الزيادات الكبيرة في ميزانيات التسلح لدول المنطقة والشمال الأفريقي الوثيق الصلة بالمنطقة سياسياً وثقافياً.

فحالة اللا استقرار التي نشهدها، لم يعد من الموضوعية التستر على جذورها الحقيقية: قومية أو دينية أو طائفية، وهو ما يجعلها على درجة كبيرة من الحساسية، تدفع المنخرط فيها وتغري القريب منها بالتدخل لرسم مساراتها، وهو ما لم يعد هناك مجال لإنكاره.

أما ميزانيات التسلح، فهي حقاً مقلقة ولافتة للنظر، فقد شهدت نمواً ملحوظاً في الشرق الأوسط والشمال الأفريقي منذ عام 2013، فهناك أكثر من دراسة، منها تقرير معهد أبحاث السلام الدولي في استوكهولم، الذي صدر منتصف ديسمبر 2015، تشير إلى أن عام 2013، شهد زيادة ملحوظة في مشتريات السلاح، بلغت نسبتها 12.1 %، لتصل إلى 120.6 بليون دولار..

حيث أصبحت تشكل 7.8 % من ميزانيات التسلح في العالم أجمع، مقابل نسبة بلغت 5.2 % عام 2008، وأصبحت أربعة من أكبر خمسة أسواق السلاح في العالم، تقع في هذه المنطقة. وترجح هذه الدراسات، استمرار هذا النمو على مدى السنوات الخمس المقبلة، ليصل مجمل مشتريات السلاح للفترة بين عامي 2014 - 2020، إلى مبلغ قدره 920 بليون دولار.

الولايات المتحدة هي اللاعب الأكبر في المنطقة، بحكم دورها في السياسة العالمية، فهي على الرغم من بعدها جغرافياً، لها مصالح حيوية في استقرارها الدائم، فمحاولات الحصول على أسلحة التدمير الشامل لبعض دولها، لا تزال على رأس أولوياتها، جنباً إلى جنب محاربة الإرهاب العابر للحدود الوطنية، إضافة إلى ضرورة تأمين السوق النفطية لحلفائها في أوروبا وفي شرق آسيا..

فالاستقرار في المنطقة يسهم في تعزيز السلم العالمي. إلا أنها لم تعمل الكثير لتأمين ذلك، فقد أضاعت في أكثر من مناسبة، فرصة كان يمكن لها أن تسهم في تلافي الكثير من المآسي، خاصة ما يتعلق بالحرب الدائرة في سوريا.

استراتيجية الولايات المتحدة الخارجية، بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة، كانت وما زالت موضع تساؤلات، بسبب غموضها، وربما عدم وجودها، إلا أن حقبة إدارة الرئيس أوباما، طرحت المزيد حول جدواها لقوة عالمية، أصبحت الوحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. التساؤلات حول هذه الاستراتيجية على المستويات العسكرية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط، لم تتأتَ من فراغ..

بل من متابعات ودراسات متأنية لرغبات أميركية حقيقية بالنأي عن النفس في ما يتعلق بشؤون المنطقة الشائكة، التي لم تعد تعالج بالمواقف السياسية والدبلوماسية، بل بالانشغال العسكري في ساحاتها، وهو ما لا ترغب الولايات المتحدة التورط فيه. فالولايات المتحدة في حقبة الرئيس أوباما غير راغبة بدفع ضريبة، كونها القوة العظمى الوحيدة في العالم.

في ضوء ذلك، هناك مؤشرات على بدء ظهور توازنات جديدة، تتحكم بمستقبل المنطقة، أساسها الاعتماد على القدرات الذاتية لدولها، بعد أن تراجع دور بعض هذه الدول، وتعاظم دور دول أخرى، وتشكلت تحالفات جديدة ذات أهداف عسكرية.